للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو كأنهم مضارب صحراوية لا يتصلون بالحياة التي عاشوا في جوانبها وتأثروا بمظاهرها فكانوا هم مظهرها، كما قد يخطئون الرجل بسني حياته فقط أو بعصره الذي عاش فيه. وفي الحق أن رجال التاريخ الأدبي اوالفلسفي أو العلمي ترجع حياتهم في بداءتها إلى قبل عصورهم بل إلى أقدم عصور التأريخ البشري ما دمنا نؤمن بنظرية الإرث العقلي وتواصل الجهود العالمية، فيكون الفرد العلمي منا صلة بين الماضي والمستقبل، لأنه ثمرة السابقين ومقدمة اللاحقين. وهكذا نجد الاخطل في شعره ومذهبه الفني.

٢ - ففي خلافة عثمان بن عفان. وفي جهات الجزيرة الفراتية بين تغلب نشأ الاخطل نصرانيا كأغلب قومه يحترم دينه لحد ما، غير متأثر بتلك الديانة الإسلامية التي تزخر حوله وتقوم عليها الدولة الجديدة والحكومة الفتية، وهذا يدل على احترام الاخطل النصرانية دينه ودين آله، ثم يدل كذلك على تسامح الحكومة الإسلامية والشعب المسلم، فلقد كان النصارى يعيشون آمنين ناعمين ليس للنعرة الدينية ذلك الشأن الذي يحول بين القلوب ويفرق النفوس، بل نزيد على ذلك أن الاخطل كان مقدما لدى حكومة أمية، وإن كان سبب ذلك

مذهبه الأموي في الشعر ونصرته دولتهم أمام أعدائهم من الشيعة والخوارج. ولأجل أن نفهم مذهب الاخطل في الشعر وفي السياسة العصبية يجب أن نرجع إلى زمن الجاهلي ليعلم أن أشهر القبائل العدنانية ثنتان: مضر وربيعة، ومن ربيعة بكر ثم تغلب قبيلة الاخطل، وبين مضر وربية منافسة شديدة منذ القدم ظهرت آثارها في المهاجاة بين جرير والاخطل، كذلك كانت منافسة بين بكر وتغلب وحروب في الجاهلية امتدت عصبيتها إلى ما بعد الإسلام ومن غريب الأمر أن يحتفظ الاخطل بعصبيتة الربعية وإن ينسى الفرزدق مضريته وينضم إلى الاخطل ليقف في وجه المضري، كما قد يكون من الغريب أن ينسى الاخطل نفسه وقبيله أمام القرشيين الأمويين فيضرب بهم سائر عدنان ثم الأنصار من اليمن، ولكن التفرق السياسي في ذلك العصر هو الذي حكم على هؤلاء الشعراء بالتنابذ كما يحكم على الصحف العصرية الآن فتتهارش وتساب!!!

<<  <  ج: ص:  >  >>