للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقت البلاء والشقاء، إذ ما كشر لك الدهر عن أنيابه فجفاك الأصدقاء، ونبأ عنك الإخلاء، وقلب الزمان لك ظهر المجن، فأصبحت وحيدا، بالله ما هي احساساتك وشعورك وعواطفك؟

في جميع هذه الأحوال شعرت! وفي كل هذه الحالات موارد للشعر! فحيث يكون الشعور تهيج العواطف، فيكون للشعر مورد! ولكن لم لا تقول الشعر، ما دامت تستولي علينا العواطف ويهيج بنا الشعور في جميع هذه الحالات وفي جميع الحركات والسكنات؟ أليس الشاعر رجلا مثلنا، يتركب من لحم وعظم!؟ أليس يشعر بنفس شعورنا ويحس بنفس إحساسنا؟ بلى! ولكن (الشاعر - كما يقول المثل الفرنسي -: يولد شاعرا)، فهو إذا ما نظم الشعر عرف كيف يختار السبل التي يوصل بها شعوره وعواطفه إلى قلوبنا، ويضرب على وتر إحساسنا ولكننا إذا ما أردنا أن نظم شعرا. ضاعت منا تلك العاطف ولم نعرف كيف نسبك ذلك الشعور قالبا متماسك الأجزاء يؤثر في نفس قارئه، فلذا يخرج ما تقوله ألفاظا مقفاة، متفككة الاجزاء، مختلفة القصد. بعيدة عن الشعور!

(قد تستغني بعض الأمم عن سماع الموسيقى وربما لا تدرك جمال التصوير ولكن أمة من الأمم لا تعيش بدون أن تعبر عن ادراكها، ولا بغير أن تبث عواطفها واحساساتها، ولا من غير أن تتغنى بآلامها وأحزانها وحظها من الحياة أو آرائها في الوجود) فالشعر وخصوصا الغنائي، محور العواطف ومركز الإدراك، فقلما تمر بإنسان ولا تجده يعرف شيئا من الشعر، حتى لو كان أميا متوحشا، فله شيء يتغنى به ويبث من وراء احساساته، ففي قلب أفريقية حيث لم تطأ قبل الآن رجل أبيض، هاهو ذا أحد ملوك السود يتقدم نحو المارشال فرانشه دسبيري حين قطع الصحراء الأفريقية بالسيارة، وينشده مديحا شعرا، نورد فيما يلي تعريبه نثرا.

(أنت ملك البيضان، الأول بعد (ما هو)، أنت قدير، أنت معبود

<<  <  ج: ص:  >  >>