من أهول ما كتب في الكتب، ومن اعجب ما دون في الصحف، ومن اذهل ما تحقق تأويله، كيف لا ومؤوله دانيال النبي الكبير. فإذا زدت على هذا كله أن الموقف هو الموطن الذي أولمت فيه تلك الوليمة المشوومة التي عقبها بعد قليل فتح كورش لبابل تحققت أن ما تولانا من الحرس واعتقال اللسان والدله مالا مزيد عليه وان كان الفاصل بيننا وبين أولئك الأقوام البائدة أعوام مديدة بل عصور عديدة.
ولم نجسر أن نزور في هذا النهار اكثر مما زرنا، خوفاً من أن يكل غرب نشاطنا وتخور قوانا. ولذا رجعنا إلى مضيفنا نمشي الهوينا ونحن نفكر في تلك الممالك الضخمة التي أبادها ربك لكبريائها وغطرستها.
وأما منزل القرى فانه مبنى كسائر أبنية هذه البلاد أي انه عبارة عن دار فيها فناء تطل عليه جميع الغرف والعلالي. وهي واسعة ذات رفاهة جديرة بساكنيها المهندسين والمنقبين الألمانيين. ومن حسنات هذه الدار إنها مبنية على عدوة الفرات، وقد تحول قليلاً عن عقيقه الأول الذي كان عليه في عهد غضارة بابل. هذا ووجود الأشجار، وتدفق الأنهار، وتجاوب الاطيار، في تلك المواطن الساحرة للأنظار وللأفكار، ذكرينا منفى اليهود إلى هذه الديار، فأخذنا كتاب صلواتنا، وجلسنا على شط هذا النهر الجليل، وأخذنا نتلو ذاك المزمور الذي مستهله:(على انهار بابل) والذي انشأ في هذه الأرجاء الغناء.