وفي تلك الأثناء كانت الشمس تنحدر في الأفق كل الانحدار، حتى غابت عن الأبصار، وراء رمال تلك القفار، فأجبرتنا جنود الظلام، على العودة إلى دار أولئك الكرام، وفي خلال تناولنا الطعام، أخذنا نتجاذب أطراف الكلام، ولم تخرج مواضيعها كلها عن أمور الخفر والتاريخ ووقائع الأيام.
ولما اقبل وقت النوم شعرنا بحاجة عظيمة إليه استجماعاً لقوانا، لأننا كنا قد عزمنا على أن نسير على دوابنا ست ساعات لنزور ما هو واقع على طف الفرات، وهو ما يظنه البعض (وظنهم فائل) انه: (برج بابل)، وتسميه كتب التاريخ:(برج نمروذ) وتسميه العرب منذ سابق العهد إلى زمننا هذا: (برس) أو (برس نمروذ) وقد ورد ذكره في كتب الفتوحات كما سنذكره بعيد هذا. والرأي الراجح اليوم هو أن هذه الأنقاض هي بقايا (هيكل نيو) الذي يتكلم عنه اشعياء والذي كانت تفتخر به بابل.
ومهما يكن من حقيقة الأمر فان الليلة كانت طيبة، وما كاد جبين الصباح الاغربيين إلا وسمعنا في جوارنا دويا مهماً هو جعجعة الجواريش وكانت النساء في أثناء الطحن يغنين غناء شجياً على نغم واحدٍ. وما سمعنا ذلك إلا وتذكرنا كلام