للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هوميروس نفسه لم يوجد إلا في مخيلة أولئك الرواة وإن الكل انتحال. ولماذا هذا؟ لأن شعر هوميروس هذا يشبه الشعر الجاهلي في إنه لم يكن مكتوبا بل قصه الرواة بعد زمن هوميروس. كل هذا مع ما بلغه الإغريق القدماء من المدنية وأنشئ في تاريخ آدابهم من الكتب الكثيرة الضخمة، فكيف إذن بالشعر الجاهلي؟ وليس بين أيدينا تاريخ ممتع كامل لآدابه العربية؟ فإن ما يدعى عندنا بتاريخ الأدب العربي، ما هو إلا طائفة من المعاني وبعض من أخبار وتاريخ الشعراء والأدباء جمعت (بعضها إلى بعض بغير فقه ولا احتياط ولا دقة!) فالواجب يقضي علينا بالشك في أكثرية الشعر الجاهلي لما قدمنا من الأسباب

ولأسباب أخرى دينية. ولما كان من التنافس بين الأنصار والقرشين وإن بعض الرواة كحماد وخلف الأحمر وغيرهما لم يكن لهم من هم سوى الكسب والفخر!. . . وسنأتي ببعض أمثلة من الشعر الجاهلي في معرض كلامنا.

ومما يزيد فينا الشك هذه الكثرة المعروفة من الشعر الجاهلي وأننا نعلم أن كثيرا منه مفقود كما يخبرنا كتبة العرب أن جزءا كبيرا منه فقد على أثر فتوحات الإسلام بموت كثير من الرواة ومنع تداول ذكر جزء آخر يخالف معتقدات الإسلام أو يمس النبي أو صحبه بشيء، فهذه لو بقيت ولم تصادفها تلك العثرات المزعومة لوجدنا بين أيدينا طائفة كثيرة منه ولاحتجنا إلى مجلدات ضخمة!!! نعم! لا ننكر إنه منع تداول بعض شعر وقصائد، لامية بن أبي الصلت والحطيئة وغيرهما، وهذا من الثابت لدينا، فإن الأول عارض النبي الحنيف وناصبه العداء فوقعت مشادات كثيرة بينهما والثاني ناجز خلفاء وأصحاب النبي. أفليس هو صاحب:

أطعنا رسول الله إذ كان بيننا ... فيا لعباد الله ما لأبي بكر!

أيورثنا بكرا إذا مات بعده؟ ... وتلك - لعمر الله - قاصمة الظهر!

فكان من دواعي ذلك أن أمر بعدم ذكر قصيدة بها أي تعريض بالنبي أو صحبه وإنما ما بقي لنا من أمثال هذه القصائد تناقله بعض الخوارج فوصل إلينا ونحن نشك بقول هؤلاء الكتبة إنه وجد ذلك القدر الهائل الذي ليمحون إليه. وهذا بقطع النظر عما يلمحون إليه من أشعار أمية بن أبي الصلت وأمثاله

<<  <  ج: ص:  >  >>