للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعلم أن عنترة كان أميا والعرب جلها لا تفقه القراءة ولا الكتابة بل كان همها الأهم أن تبحث عن معاشها، وضرورياتها والأخذ بالثار، وشن الغزوات ولا يشذ عن هذه القاعدة، سوى من كان منهم متصلا بالروم أو الفرس فقد كان فيهم تراجمة وكتبة، فأي طريقة بل أية أعجوبة حصلت فأنشأت من عنترة كاتبا؟. . . هنا نستدل على أن أولئك الرواة لم يكونوا ينتحلون الشعر وينسبونه إلى الشعراء الجاهليين، بل أنهم كانوا يخبطون فيه خبط عشواء فينسبون هذا البيت لهذا الشاعر وتلك القصيدة لذاك، بدون فكر ولا روية فلو كانوا أتقنوا الانتحال لقلدوا شعر الشاعر ونسبوه إليه ولبقينا في هذه الأشعار بين الشك واليقين، ولكن لكونهم لم يفقهوا ما صنعوا زال الشك، فلو نسبوا ذلك البيت إلى أمية ابن أبي الصلت أو إلى قس بن ساعدة لشككنا في الأبيات ولم نقدر على تأكيد الانتحال. ومما يماثل هذه الأبيات من قصيدة نسبوها إلى السموأل صاحب الأبلق، شك فيها كثير من العلماء، وفيها ما فيها من التكلف:

ألا أيها الضيف الذي عاب سادتي ... ألا أسمع جوابي لست عنك بغافل

ألا أسمع لفخر يترك القلب مولها ... وينشب نارا في الضلوع الدواخل

فأحصى مزايا سادة بشواهد ... قد اختارهم رحمانهم للدلائل

ومنها:

السنا بني القدس الذي نصب لهم ... غمام يقيهم في جميع المراحل

من الشمس والأمطار كانت صيانة ... تجير نواديهم نزول الغوائل. . .

فما أسخفها! وأين هذه القصيدة من قصيدته (إذا المرء لم يدنس) الحماسية؟ فمن يعارض هذه بتلك (يأخذه العجب من الفرق الذي بينهما من حيث طبقة الشعر وجودة التعبير ولعله صادق على قول مجلة المقتطف التي وردت بعض الأبيات (سنة ١٨٠٦ ص ٤٠٤) فأردفها الكاتب بهذه الكلمات: (مهما يكن من أمرها فهي حديثة كما قال الأستاذ مرغليوث نظمها أحد الإسرائيليين، وتناقلها الحفاظ فزادوا فيها وحرفوها وناظم: (إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه) بريء منها).

<<  <  ج: ص:  >  >>