للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حافي الأقدام إجلالا لقدره ولما خطفت يد المنون روح أبي أسحق حزن الرضي حزنا شديدا وبكى صديقه ورثاه بقصيدة عصماء خلد بها ذكر أبي أسحق وهي التي قال في مطلعها:

أرأيت من حملوا على الأعواد ... أرأيت كيف خبا ضياء النادي

ومن الشواهد على مروءة الرضي ووفائه أنه مر ذات يوم بقبر أبي أسحق الصابئ صاحبه

وخليله فترجل هو وحاشيته ووقف على قبر الصابئ باكيا منشدا:

لولا يذم الركب عندك موقفي ... قبلت قبرك يا أبا أسحق

وقد شاء الله أن يقذف ذلك الحب المتبادل بين الرضي والصابئ بعد عشرة قرون في قلب حكيم عراقي وشاعر عظيم إذا قال كلمة أحدثت تلك الكلمة دويا في أرض الله وهزت النفوس والأعصاب هو أستاذنا شيخ الشعراء جميل صدقي الزهاوي الذي يكرم اليوم الكرملي كما كان يكرم الرضي صاحبه الصابئ في مجلسه العظيم.

إن هذا الوداد المتبادل بين الرضي والصابئ قبل قرون وبين الزهاوي والكرملي اليوم برهان ساطع على أن المسلمين من العرب يعيشون مع إخوانهم العرب المسيحيين بوئام ووفاق وإخاء تجمعهم الجامعة الوطنية وتربطهم الرابطة القومية وسنتهم الدين لله والوطن للجميع:

وعشنا وعاشت في الدهور بلادنا ... جوامعنا في جنبهن الكنائس

وسوف يعيش الشعب في وحدة له ... عمائمنا في جنبهن القلانس

إن للأب المحتفل به شهرة واسعة في الغرب والشرق ومكانة عظيمة في قلوب العلماء الإجلاء ما يدل على فضله وتضلعه من اللغة ولا أدعي أن الأب معصوم من الخطأ فهو إنسان ولكل إنسان خطيئات وحسنات إلا أن الحسنات يذهبن السيئات ونحن في تكريمنا الأب نكرم العلم في شخصه مقدرين أعماله وحسناته وفضله غير ناظرين إلى شيء سوى ذلك. والواجب على كل شخص منصف أن يفكر في أعمال الرجال لا في الرجال جريا على قاعدة (فكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله) تلك القاعدة العظيمة التي وضعها السادة الصوفية.

أحمد حامد الصراف

<<  <  ج: ص:  >  >>