للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بنورها إلى

جانب منارته الزجاجية التي تنير السبل للجواري المنشآت في البحر.

أجل أن الأب أنستاس الذي أقام في ديري الكرمل وأعني بهما دير (مار الياس) في رأس ناحيته الغربية و (دير المحرقة) في آخر سلسلته الشرقية وسكن بدار إيلياء النبي ومسكن اليشع أو بجوارهما قد أفاض علينا من فيض علمه ما نذكره له بكل شفة ولسان وفي كل زمان ومكان.

ولم يكن اغتباطنا بتكريم هذا الكريم بسبب حرفة الأدب التي تجمعنا جامعتها ولا للصداقة التي تربطنا روابطها وإنما كان لأن هذا العالم العامل والتقي الورع المنقطع إلى عبادة ربه وخدمة عباده قد نال في هذه الحياة الدنيا بعض ما يستحقه من الإكبار والإجلال فكان له في ذلك بعض العزاء والآخرة خير وأبقى.

وعلماء العراق الذين قاموا قياما على أمشاط أرجلهم للعمل على تكريم هذا العالم الفحل هم من أئمة الأدب العربي فكان حقيقا بنا أن نقلدهم ونشكر لهم هذا المسعى الحميد الذي أثلج الصدور وأقر العيون من الناطقين بالضاد العارفين فضل الأب على لغتهم الشريفة.

ولا يهمني قول البعض إن الأب الكرملي يكتب الصفحات الطويلة في سبيل كلمة من كلمات اللغة وأنه لو أنفق هذا الوقت أو بعضه في سبيل آخر لأفاد أكثر فذلكم التطويل دليل الغيرة على اللغة الفصحى وبرهان الاهتمام في الاحتفاظ بذلك التراث الذي ورثناه من الآباء والأجداد ومن علم أن بعض علماء المشرقيات يكتب مئات من الصفحات في سبيل بيت أو قصيدة عربية عذر الأب الغيور على تقصيه وبحثه بل عذله لأنه لم يزد في النكاية بهؤلاء المتشدقين الذين كادوا يفسدون علينا أمر لغتنا.

وأذكر أن أحد علماء البيان قال لي مرة أن كتابات صاحبك الأب أنستاس خالية من الصناعات البديعية فلا تجد فيها كناية ولا استعارة ولا عبارة جزلة ضخمة فأجبته أن صديقي الصادق يكتب في موضوعات علمية وبلغة علمية فلو أضطر مرة إلى كتابة خطاب حماسي أو مقال خيالي ربما جاء فيهما بالمبدع وحملك على الاعتراف معي بأن الذي يكتب هذا السهل الممتنع لا يعجز عن الكتابة بذلك الشكل الطنان الرنان الذي لا يسمن ولا يغني من جوع فسكت وانتهى الجدال.

<<  <  ج: ص:  >  >>