للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صوت من مرسيلية

حضرة السري الأمثل السيد حامد أفندي الصراف المحترم أحد أعضاء اللجنة التي أنشئت لتكريم مثير دفائن لغتنا الوضاءة الأب أنستاس الجزيل الحرمة.

كم استفزني واجب الإقرار بالفضل والأدب أن أهرع إلى مشايعة الألباء أرباب النبل والوفاء الذين ائتمروا على إقامة احتفال يوبيلي لعلامة عراقنا الأغر الأب أنستاس ماري إيذانا ببذل ما عنده في إحياء رسوم اللغة وجمع شتيتها وجلائه غياهب الأوهام عن كثير من مسائلها التي ضرب إليها آباط المسالك بما لم تحلم به عقول المعاصرين والأوائل ممن اشتهروا بوحي الفكرة وسمو المدارك؛ إذ برهن على أن كثيرا مما انضوا في طلبه ركاب الأعمار لم يكن إلا نسجاً على غير منوال وطبعا على أسوأ نموذج ومثال؛ فأيد بذلك دولة اللغة ودعائم العلم الذي به أتسع نطاق المعارف البشرية إلى ما تجاوز مرمى الحواس والمدارك العقلية. إلا أنني لم أنكص عن القيام بما يتطلبه مني الواجب في ذلك الباب إلا ما تراءى لي من أن مجال القول ذو سعة ولا ندحة لي عن أن أطلق العنان للجنان ليمثل للعيان كيف يتشعع (النجم) في العنان؛ كيف كان يستتب لي مزاولة مثل هذا الشأن وأنا الآن مقيم ههنا في دار هجرتي وليس بين يدي من المراجع اللغوية وغيرها ما استعين على التنكب عن الهفوات والعثرات والانتبار لعقد الموازنات بين علامتنا وبين من تقدمه في التجلية في الحلبات؟ إذ أنني كنت أوثر أن اسم خطبتي ب (للناس فيما يعشقون مذاهب) وهذا ليس من المواضيع التي لا تستدعي الأعقد حكاية لتمثيل عاطفة بل من المواضيع المهمة التي تستلزم جمع مواد من موارد شتى لوفاء الموضوع قسطه في جميع أنحائه حيث أن ما أبرز أمامنا اللغوي من نتاج مواصلته إناء الليل بأطراف النهار إنما كان به نسيج وحده؛ وما بلغ ما بلغ إليه من القبض على أعناق اللغة وهتكه الستار عن كنه حقائقها وخباياها دون أن يفوت طرفه شيء من دخيلها ومولدها ومثقفها وآودها حتى غدا

ربها وقيمها إلا بفضل ما أوتي من سمو المواهب والثبات والصبر على مزاولة المطالب

هو جدير بأن يتخذ قدوة في التحري والاجتهاد في استخراج الحقائق المطموسة

<<  <  ج: ص:  >  >>