وإرشاد البصائر إليها توسيعا لنطاق العلم واغتناما لبقاء الذكر؛ ومن ثم كنت أنوي أن أختم الخطبة بزف تهنئة نفيسة للغة نفسها حيث قيض لها من بين الأفواج ممن خاضوا غمرات الحياة ونفضوا أنحاء العلم في الانتهاء بها إلى ذروتها الحرية بالاعتبار من أعطى القدرة على البحث في أوعر مسائلها والإتيان على أطرافها والإحاطة بأكنافها حتى كشف ستر الغموض عنها إلا وهو الإمام الذي ائتمرتم على تكريم صنيعه وتقدير عنائه ووفاء اجره مما حق له أن يكون غرة أقطابها دون أن ينازعه في ذلك منازع.
فقد تبين مما تقدم بسطه أن المرء قد يخالف جهة القصد وهو يراها ويصرف عنانه عن الأمنية وهو يتوخاها وما أود أن أزيد على هذا القدر في الاعتذار إن صح أن يسمى مثل ذلك عذراً.
وهنا محل لأجهر بالثناء الطيب على حضرتكم وسائر حضرات أعضاء اللجنة إثر تنبهكم للقيام بهذه المأثرة الأدبية العراقية التي هي ولا ريب أصدق إمارة على يقظة وطننا من غفلته وهبوبه من ضجعته؛ واشكر في الختام دعوة اللجنة إياي إلى الانحياز إلى مصاف المهنئين الأدباء وأتمنى بلوغها في ذرى النجابة إلى المكان الذي يؤهله لها نبلها بالهام المولى سبحانه وحسن تسديده.
عراقي
الدائب للوطن
قال أحد الحكماء: العلم شيء، والعمل شيء، والمنفعة شيء، فربما كان علم ولم يكن عمل، وربما كان عمل ولم يكن علم، وربما كان علم وعمل ولم تكن منفعة. وقد يجتمع العلم والعمل والمنفعة في فرد من الأفراد المعدودين على الأصابع كما اجتمعت في سيرة المترجم.
نرى بين الناس من يتعلم العلم لينفع به نفسه فقط، ومنهم من يتعلمه ليفيد به نفسه وغيره، إذ يجعله وسيلة للحصول على حطام هذه الدنيا أو لتقويم أود معاشه، ومنهم من يتعلم العلم ويسبر غوره ويغوص على درره في أغوار بحره حارما نفسه خيراته وثماره اليانعة بها