للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الذي خلق البرية كلها ... جعل الجمال وسره في الضاد!؟

أهذا تخيل؟ أسفاسف؟ أجهالة؟ - العربية ليست بأكثر جمالا، وأعز مكانا، وأوفر غنى من اليونانية أو اللاتينية أو الفرنسية مثلا. ولكل لغة ميزتها الطبيعية. وكلنا نعلم أن العربية جمدت في مكانها، أربعة قرون، فلم تتحول عما كانت عليه. وليس لدينا من شك، ولولا قرآن تتلى آياته، صباح مساء، بين عرب وعجم، لذهبت اللغة الفصحى إلى سقر، وحلت مكانها اللغة العامية. ولولا تيسير المولى الرحيم بعض نوابغ أخذوا بناصرها، لظننا أن قد قضي عليها. ولذا تقدمت يسيرا. ولكنها لم تزل في سلم التقدم. فإذا لم نعمل لها، وجمدنا حيث نحن، ذهبت تعبهم سدى!

انقضى زمن السلف، ودالت دولتهم، وتركوا لنا تراثا: هو لغتهم!، هذه اللغة التي عرفنا كيف نبذ أهلها، يوم كان لا يزال لهم بقية سلطة. فنبغ منهم الأخطل والمعري والمتنبي وغيره. فنافسوا عرب الجاهلية في لغتهم، وأصابوا منها أكاليل المجد والفخار. وما درس ملكهم، وذهبت دولتهم، حتى جمدنا نحن لجمودهم. نعم. إن أكثر اللوم يقع على تلك

الجماعة. التي حلت مكانهم، حكومة بني عثمان، والتي وافقها أن تنزع من البلاد. التعليم والثقافة، ليتسع المجال في حكم بلاد رماها سوء الحظ والدهر بين براثنها فريسة باردة. وكم، وكم وضعت من العراقيل في سبيل تقدم الشعوب التي تحت إمرتها! فهؤلاء (التتار) بحكم الطبع الذي فيهم، وحب التملك والسلطة جاروا على البلاد الناطقة بالضاد جورا هائلا. فعفت آثار المدارس، واندرس التعليم، وسقط الشعب في هوة الجهل الفظيع. وأنى له أن ينهض، وعدوه الجاهل بالمرصاد يزرع بذور الفتنة، ويدس سم الجهل والتعصب. غير أن حكمة الله العادلة، ما لبث أن نفخت في الغرب الغيرة على هذا الشرق المسكين فهب بعض أبنائه، ولله درهم! واتخذوا سورية أول هدف لهم، لما يربطهم بها، من الذكريات الدينية، ونزلوا منها على الرحب والسعة، فنتج من ذلك إن تمكن السوريون من أن (لعبوا بدورهم التاريخي)، ويساعدوا الأمم الشرقية على الترقي،

<<  <  ج: ص:  >  >>