للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واقتباس التمدن العربي. وعلى يد هؤلاء الفرنجة، انتعشت اللغة العربية اعتناقا، ذلك الانتعاش الذي لا يزال يغاديها. ونرى آثاره بادية إلى الآن. ولكن يا أسفاه! بعد هذه النفخة الغربية، لم يصلها من أبناء الشرق إلا هبات قليلة متقطعة، كأن البلاد عدمت أبناءها! وما أكثر ما نسمع الآن من جعجعة في الجرائد والمجلات بجمال اللغة العربية، وما تحويه من البدائع! فما أشبهنا بذلك المرء يلعب بالدنانير التي بين يديه، ولا يعلم سر استعمالها لفائدته، فإنك تجد بطون المهارق محشوة شدوا بغنى هذه اللغة، وما تضمه من مترادفات، ومتواردات واشتقاقات، ونفوذ القياس واطراده في اغلبها كأن هذه الشقشقة كافية أن تبعثها، وتنفخ فيها روحا جديدة! معاذ الحق! لقد ساء فألنا، وأردنا لها الموت من حيث توهمنا لها الحياة!

قلنا إننا ورثة هذه اللغة. ومن آل إليه أمر بالوراثة، تصرف فيه كيفما شاء وأنى أراد، فلم لا نتصرف فيها حسبما نريد، أو ليست اللغة ملكا مشاعا لنا؟ أم نحن ملكا لها! أكان العرب الذين أورثونا إياها، أرقى منا وأكثر تمدنا منا؟ لا! إذن ما الذي يمنعنا من فعل ما فعلوا - وليس هنالك من مانع جوهري - فنغير ما حسن لدينا تغييره، إذا بدا لنا فائدة تجني منه!

قد يخال القراء أننا ننعى على العربية، ونذمها، ونتهمها بالفقر، وما هي براء منه. بيد أن الأمر بعكس ذلك كل العكس. نحن لا نتقول عليها مطلقا. ولكننا نعلم حق العلم. إن لا حياة للغة ما لم يحاول أبناؤها التجديد فيها. فإذا وضعوا نصب أعينهم القديم وألهوه، فقل على

تلك اللغة ألف سلام! ولكننا نعلم أيضا أن العربية هي الآن على مفترق الطرق، ولا يمكنها أن تصبر كثيرا على زمر الزامرين المتقعرين، وليست في موقف يسمح لها بالانتظار والتمهل. إلى أن تدفعنا النخوة - والله وحده يعلم متى! - فنستعد لننفخ فيها روح التجدد ونضرم فيها هبة الحياة. فإذا - لا سمح الله - وجدنا أنفسنا عاجزين عن القيام بحاجاتها وتأهيلها بمقتضى ضروريات العصر، بالمفردات العلمية، فنحن احرياء بترك هذا التراث والبحث لنا عن لغة تستوفي كل الشروط ويمكنها أن تقوم بمطلبات العصر من أسهل وجه، فلماذا نقبع ونستذل فنرضى أن تكون لغتنا

<<  <  ج: ص:  >  >>