للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يبق له طمع فيها ولا في حطامها - ٢ - لأنه كان صادق النصرانية في الباطن والخارج وكان يتوقع القتل ليكون شهيداً في حب المسيح - ٣ - لأن امرأته كانت قد وفيت في الولادة بعد أن رزقها الله أربعة بنين وثلاث بنات وكلهم ماتوا بين العشر سنين والعشرين سنة ولم يبق له من أهل بيته باق، فكان يعد نفسه غريبا في هذه الدنيا. ومع هذا كله ما كان يود أن يعرف أحد دينه القديم لأنه كان يتبرأ منه، وإنما قال لي ما قال لأني استغربت بحثه عن الشمسية وحزرت أنه كان على هذا الدين في صباه.

والتقية شائعة عند هؤلاء الناس، في صغارهم كما في كبارهم، فإذا ساقتهم الأحوال إلى التغرب أو إلى أن يكونوا في موطن ليس فيه من شيعتهم أحد قالوا أنهم من أهل دين ذلك الموضع فهم يهود مع اليهود، ونصارى مع النصارى، ومسلمون مع المسلمين، ويزيدية مع اليزيدية إلى غيرهم، وهم يكرهون المسلمين أشد كراهية لأنهم فتكوا بهم فتكات هائلة مرارا لا تحصى واستحلوا دماءهم ونساءهم وبناتهم وسبوا ذراريهم. ولهذا تراهم يكظمون غيظهم وحقدهم في الديار التي يكثر فيها المسلمون، إذا ما نزحوا إليها، خوفا على نفوسهم من القتل. وهم يأتلفون والنصارى ويكثرون الاختلاف إليهم والاختلاط بهم، وكل مرة أجبرهم المسلمون على ترك دينهم والتمسك بدين آخر يكون معروفا في البلاد المسلمة فضلوا النصرانية على سواها، وإن كانوا في بعض الأحيان يبطنون معتقدهم. وإذا تنصروا انضموا إلى الأرمن في أغلب الأحايين، أو إلى اليعقوبية، ولهذا ترى في بعض الأسر من هذين المذهبين أجدادا شمسي الأصل أي أن في أسماء سلفهم فارسية أو كردية أو غريبة من الأرمنية والسريانية.

ومن عجب أمر هذا الدين أنه وإن كان خليطا من سائر النخل والملل لا يرى فيه شيء من الموسوية ولا المحمدية، ثم أن معتقداتهم هذه لا تبقى في حالة ثابتة واحدة، بل تتغير بتغير أنسالهم، وسبب ذلك هو ما قلناه أنهم لا يرجعون في مذهبهم إلى سفر مكتوب ولا إلى مصحف منزل أي مقدس فليس لهم ما يصونون فيه آراءهم الدينية من الخلل والخطل، ولا من الزيادة والنقصان.

<<  <  ج: ص:  >  >>