للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العصرية أكثر ممن يجهلون قراءة كتبهم ومجلاتهم وصحفهم. ألا ترون أن الثياب الإفرنجية عمت الدنيا كلها وكذلك آداب المخالطة والأكل والشرب والزيارة سارت ولا تزال تسير سيرا حثيثا إلى التوحد؟ ونحن نرى أنه يأتي يوم تشيع لغة واحدة في العالم كله وهذه اللغة تكون لسان الأمة القهارة الجبارة. فإن تسلط الألمان على العالم امتدت لغتهم وقتلت سائر اللغات وكذا قل أن عمت سطوة الإنكليز أو الفرنسيين أو الإيطاليين أو الترك. فالعالم سائر إلى تعميم الوحدة في كل شيء. أذن لا بد من كتابة العربية بحروف لاتينية شئنا أم أبينا. وكلما كتبنا لمقاومة هذه الحركة أزداد مخالفوها ودنت أيام اتخاذ الحروف اللاتينية - ٣ - هناك أسباب أخرى مبنية على ما في حروفنا من الصعوبات ودواعي إفسادها أكثر فأكثر فيكون من الحسن القضاء عليها.

أما المساوئ فهي - ١ - إننا ننفصل عن السلف وعلومه وآدابه وأخلاقه فتقوم بيننا جبال تبعدنا عنهم كل الأبعاد - ٢ - يهون على أبنائنا أن يتعلموا لغات الأجانب فيتركوا لغتنا أو إذا حافظوا على لغة آبائهم ويدخلون فيها كلما غريبة لا يحصى عددها إذ لا تختلف صورها الأجنبية عن صور لغتنا فتفسد صيغ كلمنا - ٣ - يهون على الأجانب التصرف في لغتنا على ما توحي إليهم أهوائهم - ٤ - تقتل حينئذ اللغة العامية اللغة الفصحى إلى

غير ذلك من المفاسد.

على أنه يحسن بالعاقل أن يزن الحسنات والسيئات ويختار الراجح منها فإذا فعلنا ذلك زادت الأولى على الثانية. وإذا قيل لنا: إن حروفنا تدل على قوميتنا أنكرنا ذلك لأسباب منها: إن لغتنا كانت تكتب في الجاهلية القريبة منا بالمسند في اليمن وبالقلم الصفوي في الحجاز وشماليه وبالنبطي وبغيره في سائر الأنحاء وأما في الجاهلية القصوى فكانت تكتب العربية في عهد حمرب (حمورابي) بالحرف المسماري، وفي عهد الملوك الرعاة بالحرف المصور (أي الهيرغليفي) ومع ذلك لم يفقد السلف من عروبتهم شيئا. وكذلك ترى كل قبيل من الإفرنج باقيا على قوميته وإن كانت حروف لغته لاتينية. وكذلك قل عن أديانهم فأن الكتابة شيء والدين أو القومية أو اللغة شيء آخر.

وفي حروفنا مصيبة عظيمة لا تنكر وهي: إنها لا تؤدي النطق بما في لساننا من الحروف المعتدلة وهي الحروف المتوسطة بين الحروف الفخمة والحروف

<<  <  ج: ص:  >  >>