للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبعد هذا، فما هو أثر الكرملي في نهضتنا اللغوية الحاضرة ولماذا يكون ليوبيله ميزة خاصة؟

وعندنا أن الإجابة على هذا السؤال الوجيه ميسورة وخليقة بالاهتمام بها؛ فلنجملها في النقط الآتية:

(١) الأب الكرملي مثال لرجل العلم اللغوي الصادق الذي يقدس النزاهة العلمية غاية التقديس: وحسبنا أن نذكر مناقشته التاريخية الحادة للأب لويس شيخو اليسوعي حينما

نسب النصرانية خطأ إلى بعض شعراء العرب وأدبائهم. فأبت ذمة الألب الكرملي النصراني أن يقبل ذلك إنصافا للعلم والتاريخ. وهذه الصفة النزيهة متجلية في جميع كتاباته بحيث أنه يتساوى أمامه في مجال النقد الأصدقاء وغيرهم على السواء. وهذا ما جعل الكرملي قدوة صالحة في النقد وكون لارائه المستقلة قيمة ثمينة في عالم الأدب كما خلق كثيرين من الخصوم بين الجهلة والمغرضين وأهل الإدعاء الكاذب.

(٢) للرجل فضل لا ينكر في حركة النشر اللغوي والأدبي الصحيح شرقا وغربا ونظن الأستاذة أحمد زكي باشا وأحمد تيمور باشا والدكتور محمد شرف بك وأمثالهم في مقدمة من يشهدون بذلك وهذا ما يجعل العالم العربي بأسره مدينا لفضله العميم.

(٣) وضع الأب الكرملي قواعد جديدة للبحث والنقد اللغوي ولدراسة فقه العربية تنم عن ذكاء عظيم ومقدرة فائقة. فشجع الابتكار في الدرس والبحث وقضى على أساليب القدامى النقلية التي جنت شر جناية على ثقافتنا اللغوية وأطالت أسرها في سلاسل التقليد.

(٤) قضى الأب الكرملي على التقطع اللغوي وبرهن برهانا عمليا على أن العالم اللغوي يجب أن لا يتجرد من صفات الكاتب الأديب العصري وهذا ما يمتاز به أسلوبه دون غيره من اللغويين المتحذلقين وإن لم يدانوه معرفة وذكاء.

(٥) عاش الرجل طول حياته الثمينة العامرة مثال النزاهة والشمم والإخلاص الكلي لما وهب نفسه له، فأستحق بتضحياته المتنوعة المتواصلة إكبارنا الأوفى.

عن مجلة (العصور) جزء مارس ١٩٢٩ ص ٣١٩

<<  <  ج: ص:  >  >>