الإغريقية: السند والمأخذ للفلسفات جميعها، كان لا بد من مترجمين لها، فبرز حنين بن اسحق فأبنه اسحق فأبو بشر متى، فأتحفوا العربية بمعربات كتب ارسطوطاليس وأفلاطون وكان لابد لهذه من مفسر عبقري كي لا تتبعثر فوائدها فتضمحل. فأهدته كندة إلى العربية وخرج فيلسوف العرب راس الزاوية في فلسفتهم: الكندي الشهير فتناول وبحث وشرح وألف ما يربو على المائة والخمسين رسالة في سائر العلوم ومختلف المباحث وتلاه الفارابي أي (المعلم الثاني)
كما أرادت العرب ولقبته أي الثاني بعد أرسطو ثم الرئيس ابن سينا، وقد بحث دي فو عن أعمالهم وشرح فلسفتهم شرحا وافيا.
أما المدرسية الغربية فتستهل بابن طفيل وقصته الفلسفية الشهيرة المسماة (حي بن يقظان) ترجمت مرات عدة إلى الفرنسية والإنجليزية واللاتينية ويظن العلامة كرا دى فو أنها تشبه قصة روبنسن كروسو الإنجليزية المعروفة في الشرق من حيث وجود رجل منذ ولادته في جزيرة نائية عن سطح البسيطة ثم قيامه بحسب إرشاد عقله وتجاربه العملية أن يصل إلى مستوى سائر البشر في إدارة دفة حياته، وترتيبها وتغذيتها بالعلوم والأصول الفلسفية والصوفية. إنما نحن نعرف أن (حي بن يقظان) يخالف قصة روبنسن كروسو من حيث أن الأخير ألجأته الطوارئ وهو شاب إلى تجشم هذه المشاق. ويظن دى فو أن بين هاتين القصتين اتصالا عميقا أي أن قصة ابن طفيل كانت الإلهام الذي أوحى إلى (دانيال ديفو) بتصنيف روايته الخالدة. وهذا قريب الاحتمال سهل الحصول!
ثم يحدثنا عن ابن رشد ومؤلفيه الشهيرين تهافت التهافت وكتاب الفلسفة وسواهما ثم نتعرف كيفية دخول الحكمة العربية في المدارس اليهودية والمسيحية ومبلغ تأثيرها السالف، ومن تأثر وتفقه بها من أبناء الغرب في القرون الوسطى،
ونرى فإذا أمامنا أيضا تتهادى في تؤدة ورفق الجمعيات السرية من قرامطة وإخوان الصفا والصابئة. مما كان لها وجود فلسفي وذات أثر في تاريخ الإسلام فنتدرج إلى سبب انتشائها وفلسفتها وأعمالها وكيفية اتحاد