للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدتك من تلك القدود ذوابل! ... وتناهبتك من العيون الأسيف؟

وتجاذبتك الغيد حتى قد غدت ... بك كل خود في الهوى تتصرف؟

واختط على هذا المنوال قدرا تطرق بعد ذلك إلى ذكر شمائل مراسله:

رب الفصاحة! من بسحر بيانه ... بهر النهى البدر الذي لا يخسف!

فرد، إذا لمس اليراع بنانه ... نلقاه، وهو لنا حسام مرهف

بحر خضم، قد غدت أمواجه ... كرما، لنا الدرر اليتامى تقذف

وذهب بعدئذ إلى الثناء والمديح:

لك طيب ذكر يا ابن مراش غدت ... أرجاؤنا من عرفه تتعرف

نثرت علينا من صفاتك حلية ... آذاننا أضحت بها تتشنف!

ثم اتفق أن نشر المراش ديوانه المعروف (بوق المحبة) فنقده أحمد العمري الموصلي، واعترض عليه، فرد عليه صالح، بقصيدة عصماء لم ينهج فيها منحى الابتذال والسقط في الكلام، بل انتقد العمري وأبان فيها أغراضه وضعف انتقاده، وافتتحها بحكم مليحة ذات روعة، قال:

زنة الكلام، لدى وجوب مقال ... قبل التكلم من صفات كمال

وأخو النهى، من لا يجرد أبيضا ... قبل التفكر في انتهاء قتال

فلربما قصد الوبال لغيره ... رجل، فألقى نفسه بوبال!

ما الحزم إلا بالتأمل، إنما ... عدم التأمل، خيبة الآمال!

والعلم ليس بصادق إن لم يكن ... متقارن الأقوال، والأفعال

فلعل قول المرء قول أخي حجا ... والفعل فعل أعاظم الجهال!

للناس أطباع! بكل يقتفي ... ضربا من الأهواء والأميال

وانتقل إلى ذكر مراش وبوقه:

فرد غدا بذكائه عسرا على ... الأيام أن تأتي له بمثال؟

متوقد الأفكار يمحو نورها ... في كل خطبة ظلمة الأشكال

صاغ القريض فرائد منظومة ... جيد الزمان، بها تبدى حالي

أو ما سمعت له دويا من صدى؟ ... (بوق المحبة) للبرية مال!

<<  <  ج: ص:  >  >>