في حب قومه ووطنه ميال بكليته إلى هجر القديم واعتناق الجديد يحبذ الفضيلة ويقبح الرذيلة دون أدنى مجاملة أو مداهنة ويريد أن ينهض بالشرق عموما وبالإسلام خصوصا إلى مستوى الأمم الراقية ولكنه يرى إن الإسلام لا يسير في
طريق الإصلاح إلا إذا تخلى عن عاداته القديمة المستهجنة وجارى الشعوب المتمدنة وليس من يجهل المصاعب التي تعترض طريق المصلحين خصوصا بين الشرقيين الذين يقدسون كل قديم ويرون إن الأرض يجب أن تظل كما خلقها الله دون أن تمسها يد إنسان غير أن الزهاوي برز إلى ميدان الجهاد بقلب كبير وثقة راسخة بالنفس مستخفا بالتضحية في سبيل بلوغ الغاية بدليل قوله:
وإن الذي يسعى لتحرير أمة ... يهون عليه النفي والسجن والشنق
وليس من يشك في أن ركوبه هذا المركب الخشن وانتقاده عادات هي في نظر القوم مقدسة لا يجوز مسها أو ذكرها بسوء قد أثار عليه حق الجمهور وعدوا عمله خروجا على الإسلام فحاولوا خنق صوته لكنهم أخفقوا وقد قال بهذا المعنى:
على نزعاتي كان أكبر سخطهم ... وماذا يريد القوم من نزعاتي
فلما رأوا بطشي شديدا تأخروا ... وقد تركوا الأقلام منكسرات
ولكن نزعات الزهاوي لم تكن نزعات ملتوية ولا هو دعا الناس إلى ارتكاب الموبقات، إنه نادى بالسفور وندد بالحجاب ومن لا يرى صوابية هذه المناداة وصوابية هذا التنديد قال لأفض فوه:. . .
ومنظومات شاعرنا الفيلسوف كلها على هذا النمط من الشعر الممتاز خالية من التعقيد والشبهات مجبولة بالسلاسة والرواء خالية من الحشو والألفاظ غير المأنوسة ولا نغالي إذا قلنا إن للزهاوي أسلوبا خاصا في قرض الشعر لم نألف له مثيلا بين شعراء العصر.