للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بناء سور المدينة وشقوا الترع وحفروا الآبار وبنوا دورا لممثليهم فنهضت أدب من كبوتها ونالت استقلالها ونصبت عليها ملكا باسم (أي شي أول باأودو) - وقد وجد أسم هذا الملك محفورا على صفائح من الحجر والنحاس غير إنه لم يعمر ويظهر من التحريات إنه ملك قبل احتلال ملوك أور هذه المدينة العظيمة في قطرها والراقية في عصرها. ومن الملوك الذين أعادوا بناء أدب ورمموا هياكلها وزينوا معابدها حمرب (حموربي) ملك بابل (٢٠٠٠ ق. م) إذ وجد المنقبون في أنقاض بسمى صفائح تنبئ عن حكمه فيها وعثروا أيضا على آجر مكتوب فيه اسم كوريجلزو (١٤٠٠ ق. م) وهو أحد ملوك بابل ويظهر إنه آخر من رمم هذه المدينة وشيد المباني فيها.

احتل مدينة أدب بعد ذلك بزمن قوم من سلالة آرمية واستعملوا كتابتهم وسطروها على الآجر الذي اتخذوه في عماراتهم التي أقاموها فوق المباني القديمة واتخذوا كثيرا من العروض المبعثرة في أطراف المدينة وبنوا بها (دورا جديدة) وتدل الآثار المكشوفة على إن أدب أصبحت ردما من الأنقاض واندثرت معالمها حتى محي اسمها من أذهان البابليين منذ مئات من السنين أي قبل الميلاد المسيحي وقبل نفي اليهود وتشتتهم في أطراف بلاد بابل وقبل أن أعاد ملوك آشور من سلالة سرجون بناء مدينة نفر وغيرها من المدن القديمة المندثرة فمن هنا يستدل بأجلى بيان على أن أدب تعد من أقدم مدن المعمور فقد أتخذ ملوك فارس وماذي والبرثيون والساسانيون والروم والعرب والعراق موطنا لهم لكنهم لم يعرفوا هذه المدينة ولم تطأها أقدامهم فلا أثر لهؤلاء الأقوام هناك فهي خالية من توابيتهم المدهونة

بدهان خزفي تلك التوابيت التي كانوا يستعملونها في دفن موتاهم بل لا أثر لنقودهم النحاسية المنخورة لطول عهدها لتنبئ عن وجودهم في تلك البقعة من الأرض غير أن آثارهم وبقايا مدينتهم اكتشفت في مدن مجاورة لها قد احتلوها وأقاموا فيها بعد أن رمموها أو أعادوا بناءها بصورة تخالف طراز البناء القديم

إن العرب الذين عاصروا خلفاء بغداد هجروا موضع أدب ولم يجرؤ أحدهم على التوغل في تلك الصحراء القاحلة لأنهم كانوا يعتقدون إن الجان والعفاريت والمردة احتلت أخربتها ولهذا نراهم قد ابتعدوا عنها ابتعاد السليم عن الأجرب

<<  <  ج: ص:  >  >>