الخلق. والعجب أن الخلق عند العرب إنما هو التقدير نفسه فإذا (فلذا) قالوا خلق كذا وكذا. ولذلك قال احسن القائلين وقال يخلقون افكا. وقال وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير فقالوا صنعه وجعله وقدره وأنزله وفصله وأحدثه ومنعوا خلقه وليس تأويل خلقه اكثر من قدره ولو قالوا بدل قولهم قدره ولم يخلقه خلقه ولم يقدره ما كانت المسألة عليهم إلا من وجه واحد والعجب أن الذي منعه بزعمه أن يزعم انه بمخلوق انه لم يسمع ذلك من سلفه وهو يعلم انه لم يسمع أيضاً عن سلفه انه ليس مخلوق وليس ذلك بهم. ولكن لما كان الكلام من الله تعالى عندهم على مثل خروج الصوت من الجوف وعلى جهة تقطيع الحروف وأعمال اللسان وللشفتين وان ما كان على هذه الصورة والصفة فليس بكلام ولما كنا عندهم على غير هذه الصفة وكنا لكلامنا غير خالقين وجب أن الله عز وجل لكلامه غير خالق إذ كنا غير خالقين لكلامنا. فإنما قالوا ذلك لأنهم لم يجدوا بين كلامنا وكلامه فرقا وان لم يقروا بذلك بألسنتهم فذلك معناهم وقصدهم.
وقد كانت هذه الأمة لا تجاوز معاصيها الإثم والضلال إلا ما جلبت (حكيت) لك عن بني أمية وبني مروان وعمالها ومن لم يدن باكفارهم حتى بحمت (نجمت) النوابت وتابعتها هذه العوام. فصار الغالب على هذا القرن الكفر وهو التشبيه والجبر. فصار كفرهم اعظم من كفر من مضى في الأعمال التي هي الفسق وشركاء من كفر منهم بتوليهم وترك اكفارهم. قال الله تعالى ومن يتولهم منكم فانه منهم. وأرجو أن يكون الله قد أغاث المحقين ورحمهم وقوى ضعفهم وأكثر قلتهم حتى صاروا ولاة امرنا في هذا الدهر الصعب والزمن الفاسد اشد استبصارا في التشبيه من عليتنا واعلم بما يلزم فيه منا واكشف للقناع من رؤسائنا
وصارفوا الناس وقد انتظموا معاني الفساد اجمع وبلغوا غايات البدع ثم قرنوا بذلك العصبية التي هلك بها عالم بعد عالم والحمية التي لا تبقى دينا إلا أفسدته ولا دنيا إلا أهلكتها. وهو ما صارت إليه العجم من مذهب الشعوبية وما قد صار إليه الموالي من الفخر على العجم والعرب. وقد نجمت من الموالي ناجمة ونبتت منهم نابتة تزعم أن المولى بولائه قد صار عربيا لقول النبي عليه