للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قفي قبل التفرق يا ظعينا! ... نحدثك اليقين وتخبرينا

قفي نسألك هل أحدثت صرما ... لوشك البين أو خنت اليمينا

أفلا تشعر بالريح الهوجاء العاصف، تهب بك من منحاها بدوية جاهلية، أو بدوية مخضرمة إذا شئت وهو يسأل نسب القبائل ووحشية السنانير؟ أفلا تهاجم منافسك روائح الصحراء الوحشية الكريهة وتستوسطك مواقحة؟ أما والله لأبصرنك تخاتلها وتحاول استدبارها من كل جانب، كي تجد لك مخرجاً لطيفاً أو كي ترى بين أوارها وجدانا واضطراما عصرياً فإذا مخالجها ومباعثها كألفاظها وترسلها جفاوة وقساوة وخشونة. وأنك إذا ما صابرتها

اشتدت في أثرك فأرهقتك واغتالتك!.

ولكم تجده في غير هذه يحاول أن يقتفي أثر الجاهلية أو الخضرمة في ذكري البان والعلم والوقوف على الطلول. وبكاء العهود الخالية ونحوها من مواقف الشعر البائدة، كقوله مثلاً:

ريم على القاع بين البان والعلم ... أحل سفك دمي في الأشهر الحرم

رمن القضاء بعيني جؤذر أسداً! ... يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم!

ولعمرك ما شر الوجود غير تغلب عواطف بربرية على اختلاجات خفيفة مدنية واستبطانها مشاعر عصرية يافعة أشاختها بيبوستها وعجفها! عبثاً يحاول وباطلاً يطلب، فأن رجلا رقيقاً متمدناً، لن يتمكن قط من الشعور أو التوسل إلى عرض حاسياته، على استار شعر هجين الوطأة حوشي المنطق ولن يرسم شعره جفاوة الصحراء إنما تكتنزه من رائحة الجمال والنياق والبعر والوبر كما يرسلها أعرابي جلف خشن إبرته رمضاء البادية وابلته رمالها، ومحال أن تتآخى المتناقضان: المدنية والتوحش. ويمل القارئ العصري المجد، أن يمر على تلك الهياكل المنشأة من مقالع عفت حجارتها الطيبة، أو أن يحول بين أجداث قصائد بادية التعفن والنتن. وإذا أردت فلا ضربن لك مثلاً أيضاً من نثره، كي لا تنالني بقارصة ولا بتهمة باطلة. فالمس السجع لم تطلق قيوده وخيمت عليه إطناب العرب فأنزله بعليائه إلى موطأة وليس للسجع العصري من لذة ومحاسن سوى إحراج المتوسل لقارئه والتفوق على مخارجه!! وهاكها مجلوة من بقية (الوطن).

<<  <  ج: ص:  >  >>