لم يسعه سوى ندبه حين بلغه خبر انتحاره. . . وأبن فيه (حليفه ورفيقه في الإمبراطورية، الذي طالما تحمل معه المشاهد والمعارك) وذلك حين
عرض على جميع القواد رسائل انطوان (المملوءة حماسة وحميا) نعم، انه اتبع كليوباترا في كثير من آمالها وأمانيها، وخضع لإشارتها في محاربة قيصر على اثباج البحر، وهذا لا ينفي حبه لبلاده ووطنه ولو تركنا التاريخ جانبا وبحثنا منطقيا، لما ارتضينا بما اجتراه المؤلف بل لحكمنا - لو صح هذا المدعى - بانفضاض قواده عنه حينئذ ولربما ألحقوه بيدهم وأثابوه مآل يوليوس. ولسنا نخال شوقيا يندفع في تبرئة صفحة كليوباترا من حيلتها في هذا الإرشاد المضل (لأنها فكرت في الهرب، بعد أن بذلت كل شيء من جهتها ليس لتزكية النصر وإنما لتضمن الانهزام السهل، حين تنضب الحيل) وان اخذ علينا أستاذنا لبلوتارك، وادعى ذبذبة المؤرخ واحتكامه للقوة في تأريخه، فهل يدفعنا هذا القدر إلى إقامة التأريخ على أسس الحدس والتخمين، أو على مشيئة الأميال الوطنية كما نراه في ذيل روايته في (النظرات التحليلية)؟
تفنن شوقي وقد وقف كليوباترا على باب اليأس تسعى إلى تبابها حثيثا فأرانا منها صورة امرأة، جميلة فاتنة، عاكسها القدر فاخفق حيلها وحاصرها فكسر قناتها وكأن الزمان أبى إلا استرداد ما غدقه عليها من نعم وأطايب أو لعله طلب الانتقام منها، لأنها استعملت رخاءه عليها، في انتهاج الشر والخطايا. وقد أصاب الشاعر حين وصفها، في حين لم يرد:
وأجاد في تصوير حاسيات المرأة الفخور بجمالها، وضرب على عود الضعف وانك لتشعر بموجات الغضاضة والألم، تجتاح عواطف كليوباترا وهي تحاول اجتياز مضيق الأبدية، وقد جثت أمام تمثال إيزيس وأفلتت التأوهات:
اليوم اقصر باطلي وضلالي ... وخلت كأحلام الكرى آمالي
وصحوت من لعب الحياة ولهوها ... فوجدت للدنيا خمار زوال!
وتلفتت عيني فلا بمواكبي ... بصرت ولا بكتائبي ورجالي
وطئت بساطي الحادثات وأهرقت ... كأس وفضت سامري ونقالي