للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن في هذا الموقف نعذره، إذ نرى انه لم يرد (التمصر) الصريح، ولعل إيراده لهذا القول هو من باب حشو الرواية. وهذا جائز.

ونكتفي فتقول أن النظرات التحليلية التي ذيلت بها القصة لهي من شر المضحكات المبكيات، إذ يظهر بها الإقرار العجيب على تشييد عواطف ومشاعر كليوباترا وعفتها ووطنيتها طبقا لمجرى الشعر لا على الحوادث الراهنة، فما أعجبه تاريخا يكون على الشعر، لا شعرا يبنى على التاريخ الصريح! وألف رحمة لك أيها التاريخ فليتك لم تكن كي لا تغدو العوبة أفكار وغايات أهواء وتخرصات!

ويا ليت شاعرنا تدبر ولم يحكم عواطفه الثائرة في حادثات الأجيال. فما العواطف بالتي يستكن إليها في هذه المسائل ولا سيما وهي وطنية، بل يا ليت شاعرنا اكتفى بنسج بردة فاجعة - كما سبقنا أيضاً فأشرنا - من حيث هي قصة لا غير، يراد بها مجرد التاريخ لا تأييد للتاريخ (وللتأريخ التخيلي). وليته لم يعد للأذهان ما حدث في أوربا العام الفائت حين أراد روستان الابن إعادة ذكرى ولد نابليون الثالث، إذ ألقى تبعة مقتله على الملكة فكتوريا والحكومة الإنجليزية وهي ليست على شيء منه. ولعمري أن لولا تناقضاته غير التعقلية، لما كان أيضاً هنالك من اعتراض، ولم يكن لها شيء عدا ما أوردناه في بحثنا في تركيبها وشعرها، وهو ليس بكاسف زهوها وجلالها.

وإننا نأمل أن يتحاشى فيما يؤمل بعثه من قصص تمثيلية أخرى - كما بلغنا - مسلكه في المصرع من فسخ ومسخ ابتغاء تأييد قضية زعمتها مخيلته أو أبطال اعتقاد رفضته عقيدته، ففن القصص ارم والتاريخ أمر آخر. ونحن لا ننكر أن ليس من رواية تمثيلية أو قصة مسلية دخلت بين تضاعيفها تاريخيات، بل نشرت على إنها تاريخية لم تشوه حقيقة

وقائعها أو بعضها ولم يماطل فيها شيئا لا بأس به من حشو ونسخ ولكن لم يكن مؤلفها على الأغلب يريدها هدفا أو أداة لإثبات ادعاء وتخرصات بل نشد فيها مجرد الذكرى والعبرة.

اذا، فمعاندتنا له ليست عن طريق القصة بحد ذاتها بل لصد غاياته وترهاته

<<  <  ج: ص:  >  >>