وأسدلت ألف ألف ستار على انطوان التعس، كما أسدلتها من قبل على يوليوس قيصر وسواهما. وكما أمر المؤلف على شفة اكتافيوس:
لعبت بانطونيو ويوليوس حقبة ... كما جاء بالمسحور أو راح ساحر
ولكن قيصر ولكن قيصر لم يكن بالغر الأبله، فأرادها شارة لنصره، لا متاعا للشهوات الدنيئة، وأحست اللبوة بنزعته، فحملها كبرياؤها وحبها لعرشها المزلزل على الانتحار. . . فعلى شاعرنا أن حاول تبرئتها من عار فجورها، فالتاريخ لن يخدع نفسه، وقد لفظ صاعقة حكمه، وأثبته وسيثبته على المدى قاسيا مرا، يدعمه بأقوى حجة دامغة هي: سيرتها المتهتكة!
ويذهب شاعرنا إلى تبرير فرارها من المعركة كل مذهب ويحاول جعله بمثابة حياد، مكتتمة مقاصده وذلك زعما بكرها إلى الميدان، وقد نهكت اكتافيوس، فتضربه الضربة القاضية ولكن أين هي؟ ضاعت المعركة وهي ساكنة كأن لم يبلغها خبر؟ أليس في هذا عار وشنار؟. . . ويريد أيضاً الدفاع عنها، في إنها لم ترسل الخبر القاتل الى انطوان بانتحارها. . . ولماذا؟. . . ولماذا لا تستحل كليوباترا هذا المسعى، كما استحلت من قبل مآتيها المخجلة الفظيعة مع سواه؟ وهل لعاهر أي رادع خلق يصدها عن الشائنات؟. . . وان أراد إفحامنا ببكائها وعويلها على ضريح انطوان، فلأنها علمت، كما اشرنا، انها فقهت معنى شروط صلح قيصر، فوازنت بين الكفتين، وعلمت أي هفوة شتيعة ارتكبت فانتحرت.
ثم يذهب إلى اضطرارها انطوان أن يظهر أمام جنوده وقواده الرومانيين بمظهر المتأفف
من روما. ولو كان ذلك - وكما أسلفنا - أما تعتقد وتوافقني لما سكتوا له، ولا ذاقوه كأس منيته صرفا، ولو بين ذراعيها البضتين. فأنت تعلم مثل ما مثل الرومان الشهم ليرضوا بإهانة وطنهم، وخيانته إمامهم ومن قائدهم الأعلى!.
وأراد صاحب المصرع أيضاً أن (يمصر) انطوان، كما مصر كليوباترا، لكنه هنا كان تمصيرا مجازيا، إذ أرسل جواباً على لسانه، متمما إهانته السابقة لبلاده: -