للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عيشها تحت سماء مصر، وحسبك قناعة بتمصرها، مما يقرك عليه كل عاقل أريب فالقناعة رأس الفضائل. . . وما إبداعك وتحليقك الخيالي بعذيرك!

وقد يفجؤك أيضا، فيريد اغرارك بعفة كليوباترا، ولا أخالك تفوتك تلك المتناقضات والتذبذبات في حكمه عليها أثناء وقت الفاجعة ذاتها أو ما كفاه أن أمر على شفتيها إقرارا رهيبا، في ساعة انتحارها:

بنت الحياة أنا وتشهد سيرتي ... ما كنت من أمي سوى تمثال

منها تناولت الرياء وراثة ... وأخذت كل خديعة ومحال

وقسوت قسوتها ولنت كلينها ... وإقتست في صدي لها ووصالي

ولربما رشدت فسرت برشدها ... وغوت فأغوتني وضل ضلالي

ووجدتها حبا يفيض ولذة ... فجعلت لذات الهوى أشغالي

أما في هذه إثبات (منه) لما حاول نكرانه وجحوده؟ أما فيه البرهان الحسي الذي لا يطرد على اضطراره لإبرازه بتمثالها الحقيقي؟ وكيف يسعنا أن نسألك وهذه سيرتها تقابلنا كما درسناها في المدرسة، وكما ألفناها وعرفناها في التاريخ الجدي. . . وهات امرأة تتسكع وتتخبط في كل حين من ذراعي رجل إلى ذراعي آخر. ولم تترك لشهواتها وملذاتها البهيمية منزعا، فنصفها بملك طهر وعفاف!. . . إذن ماذا نقول عن هاته النسوة اللاتي يقضين الحياة في خدمة الله والقريب ويضحين بالغالي والنفيس حبا لمرضاته تعالى ولا يعرفن رجلا طول عمرهن؟ بل ماذا نقول عن امرأة ذات بعل لم تحد قط عن جادة

الصواب قيد شعرة ولم تعرف سواه؟ فهل من سبيل لمضاهاتهن لتلك البغي العاهر وتسويتهن معا في مرتبة الشرف والعفة، ألا والله ماذا نحن فارقون؟ وما الميزة إذن يا صديقي، بين حياة قصف وخلاعة وحياة تقشف وورع واستقامة إذا كان مآل الحكم واحدا والنظرية سواء والاعتبار متجانسا؟ افتنا أيها القارئ أمنطقيا أأدبيا، اإنسانيا قضية تحليل عفتها؟ سيرتها المخجلة واضحة، العفة والوقار لم تعرفهما، بل تنقلت من عناق رجل إلى سواه، والحق نقول أن لو تمكن جمالها أيضاً من أسر اكتافيوس - لتغير وجه التاريخ بكماله - ولعادت تلك الرقطاء بأجمعها تسعى إلى غرورها وزهوها وفتنتها وفجورها وعهرها كبدئها

<<  <  ج: ص:  >  >>