للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونكتفي بإيراد وتفنيد أخطرها، إذ ليس من العقل والتبصر أن نقنع ونذعن إزاء تمور تخالف عقيدتنا أو بالأحرى تناحر فن التاريخ ووقائعه الفاصلة فليس من حياء في الدفاع، كما لا حياء في الدين!

إن أول ما ينالك من صدمات عنيفة، لدى اطلاعك على (النظرات التحليلية) ولع شوقي بإثبات (مصرية) كليوباترا وتوطيدها، زعما أن قضاء ثلثة قرون في مصر قد أحال دماءها اليونانية إلى مصرية بحتة، عن طريق التزوج فهذه لا تدعمها وثائق تاريخية. والتباني بعائلتها شهود بحقنا، وعنه ينتج لأمراء حفظ كثير من الدم النقي المقدوني في أقنية العائلة. ولنا بها ذاتها برهان بين. ألم يكن الشرط (أن تبني بأخيها الأكبر وتتولى العرش معه)؟ فهي إذن متمصرة لا مصرية، وإننا لا ننكر قط نقاءها من دم مصري، بل نعترف له به بكل خضوع وتواضع، ولكن ادعاء بحوتته يقضنا ويضحكنا معا فمهما حاول ودافع صاحب المصرع في تأييد فكرته عن طريق البلاغة والفصاحة فلن يفلح فيه. فلا التاريخ لهو لاه، ولا تبع مشيئة كاتب، ولا رهن إرادة شاعر يستهان به تبذيرا وما هو سوى ما أبرمته الحوادث وخلقته الأيام لا ما أريد وقوعه وقد سبرت أجيال. . . وان شوقي ليدعي في هذا المكان كادعاء بعض عجاف العقول من السوريين واللبنانيين، اعتباطا وجهلا، وتشبثهم بالعروبة - وما هم منها على كثير - وهذا فحش وشطط مروع من جهتهم،

فالسوريون بوجه الإجمال، واللبنانيون منهم على وجه أخص - وان يكونوا بأجمعهم حقيقة خليط أمم كثيرة - من أنقى الشعوب التي خالطت العرب، وعاشرتها من دماءها، فالأدلة تؤيدنا والتاريخ يثبتنا، وان نقر باحتمال وجود بعض قطرات تافهة في بعض الأسر من أبناء الأقطار الشامية مما لا يؤبه له في التاريخ وفي الحكم العام فالسوري سيئ بمدنيته ومزاجه واصله. والعربي شيء آخر بمدنيته ومزاجه واصله. وكذلك الروماني أمر والمصري أمر آخر. فشتان ما بين ثقافة كل وشتان ما بين مدنية كل، وشتان ما بيم مزاج كل، وشتان ما بين عادات كل، وشتان ما بين منهل كل!!! فيا شاعرنا لا تحاول بل لا تؤمل أن تخلق كليوباترا جديدة (مصرية) من كليوباترا (المقدونية) الأصل (الإغريقية) تهذيبا ونشأة بان

<<  <  ج: ص:  >  >>