للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

راحة وطمأنينة إذ فاجأ عصيان من قبل (بكر صوباشي) أدى إلى استيلاء العجم على بغداد زمن (الشاه عباس الصفوي المتوفي سنة ١٠٣٨هـ) فتبدل هذا النعيم بالشقاء وتلك الراحة بالعناء فلم يطق البقاء على هذه الحالة ولم يرافقه هذا التغير في الحكومة فترك ممتلكاته من أموال ودار فذهبت نهبا واتخذ القول المشهور (الفرار مما لا يطاق من سنن الأخيار) فاختفى

بادئ بدء نحو خمسة أيام أو ستة ثم بدل أثوابه وغير كسوته ولبس لباس الدراويش واخذ أمه معه فتوجه نحو الحلة وكربلاء فكانت هذه له دار الأمن والأمان.

عاش هناك عيشة الدراويش وصار في حيرة من أمره لا يدري ماذا يصنع فارتبكت حالته وساءت، ولم تمض مدة طويلة حتى ورد الوزير الأعظم حافظ احمد باشا لإنقاذ بغداد من أيدي العجم فلما علم بذلك وكانت بينه وبين المشار إليه معارفة قديمة جاءه وامتدحه بقصيدة رنانة بين فيها ما جرى عليه في نكبته وما لقيه من الغربة وما عاناه، ولم نر في نفسنا حاجة إلى سرد مطلع هذه القصيدة وإنما غاية ما يفهم فحواها انه صدرها بغزل وجعله براعة استهلال، ثم وصف في أثناء المدح حالته فبين أن ظاهره ينبئ عن مكنون سره، صار متشردا في الطرقات والبراري، فتارة يقال: مجنون، وطورا تقذفه الصحاري فيلجأ إلى الوهاد، وقد اخضلت الأرض بدموعه التي هي كالسيل المفعم. وانبتت الأعشاب فالديار تتقاذفه ويكاد يحترق بنار أنينه ولهيب اهاته، يحسب مرة أن العدو ظفر به أو انه جاءه ليقضي عليه لما اختلج في فكره من الوهم وصار يرتعد كأغصان أصابتها الريح. . .

حاقت به المصائب من كل جانب فكأنها من هولها عوسج اكتنفه بحسكه من جميع جهاته. . . واخذ يذكرها الواحدة تلو الأخرى ويصورها ببديع أدبه حتى انه أبدى: لا يدري ماذا يصنع من الاضطراب الذي ناله، وان الأدب حبب إليه البيان وعلمته المصائب أن يبوح بما لقي بتعبير جاذب خلاب. وهكذا لازمه كمال البيان إلى أن مضى بها بين غزل ووصف حالة وبين شكر ومدح. . . وهي تقرب من ستين بيتا. . . ثم انه بعد أن لقي الباشا المشار إليه عاد إلى الحلة تارة أخرى ومنها ذهب إلى كربلاء وفي هذا الوقت لم يتيسر للباشا فتح بغداد

<<  <  ج: ص:  >  >>