للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تمكن من الاستيلاء عليها فاضطر إلى الرجوع بخفي حنين، فلما علم المترجم بالخبر تأثر كثيرا، ولذا اختفى أيضاً وتكتم في الذهاب إلى البر فسلك طريق الصحراء خائفا، فوصل إلى الرها بعد أن تجشم الأخطار واجتاز الأهوال فاتخذها مأوى له وجعل سكناه فيها فعدها وطنا ثانيا له وصارت دار هجرته.

وهناك اتخذ له دارا ومحلا معلوما وتعرف بأشراف البلد ومشايخه وعلمائه فصار يجالسهم، وبينا كان مطمئنا وراضيا بحالته إذ سقط يوما من فرسه فكسرت رجله، ولازم داره مدة في خلالها ألف ديوانا سماه (ناز ونياز) وهو بمعنى الفتح والطموح، جعله من بحر المثنوي

مماثلا لما ألفه فضولي من (مجنون ليلى) فأثبته في ديوانه، وهذا غير ناز ونياز الفارسي المذكور في كشف الظنون فانه لمؤلف آخر.

ثم انه بعد ذلك توجه السلطان مراد إلى بغداد لاستخلاصها، ولما وصل الرها استقبله بقصيدة مدحه بها ودعا له فيها بالسفر الميمون.

وأرخها في سنة في سنة ١٠٤٨هـ (١٦٣٨م) قائلا: (مبارك أوله أكان دائما طريق وسفر) وعندما علم أن السلطان مراد قد افتتحها في مدة يسيرة وانه أعاد إليها نظامها وانتظامها وسمع أن المهاجرين صاروا يعودون رويدا رويدا تحرك حينئذ من الرها سنة ١٠٥٣هـ وعاد إلى وطنه القديم بسرور لا مزيد عليه، فحمد الله على الرجوع مع أمه ولم يكن معهما أحد وكان هاجر عنه بزي درويش ناسك ومن ثم صار له من الأهل والعيال والأولاد والمال والجاه ما يغبطه عليه، وتولى بعض المناصب مما يتعلق (بكتابة الديوان) وله آثار حسنة ومناقب جميلة.

وفي سنة ١٠٦٦هـ سافر إلى حج بيت الله الحرام مع والدته وأهله وعياله، وتقدم لزيارة روضة المصطفى (ص).

إن المومى إليه كان فريدا في النظم والنثر وحيدا في عصره باللغة العربية والفارسية، وهو شيخ نوراني جليل، اعتقاده طاهر، ومواظب على الأوراد، قد صاحب شيوخا كثيرين من أرباب العرفان وجالسهم فاقتبس من أنوار حقيقتهم فهو عارف بالسلوك إلى طريق الحق وله اليد الطولى في التصوف وعدا ذلك فخيراته عميمة وحسناته وفيرة يسعى لعمل البر، وفي كل أحواله مراع للشرع

<<  <  ج: ص:  >  >>