على أننا تحققنا ونتحقق أن لا يجوز طبع المؤلفات اللغوية ما لم يتول تصحيحها أناس متفرغون لتلك المباحث وإلا فأن عني بها كل ذي يراعة مرضوضة أو مكسورة فلا ينتظر من ذلك التعميم بالطبع إلا بث المفاسد في هذا اللسان البديع المحاسن.
وقد تبينا أيضاً أن صاحب الإتحاف نفسه لم يكن راسخ القدم في ما نفعله عن شيوخ اللغة فأن تصنيفه هذا مجموعة مضرة لما دسه فيها من الأغاليط الظاهرة لكي ذي عينيين.
ونحن لا نريد أن نضيع وقتنا في تفليتها صفحة صفحة لما يتطلب هذا العمل من المشقة والعناء إنما نوجه عنايتنا إلى صفحة من صفحاته وهي ص ٢١ ليتضح للقارئ أننا لا نتهم المؤلف بالباطل ولا الناشرين لرسالة بأمر فري.
وأول شيء يتبادر الذهن إليه أن الصديقي لم يدون في رسالته من الأفعال المبنية للمجهول إلا ثلاثة أما المزيد عليها فلم يذكر منها إلا شيئاً نزراً لا يكاد يعد شيئاً مذكوراً. مع أن الأفعال المزيد فيها المبنية على ما لم يسم فاعله كثيرة يتقوم من جمعها رسالة.
ثانياً: حينما يورد فعلاً بصيغة المجهول لا يذكر معانيه في أغلب الأحيان إلا مؤدي واحداً ويسكت عن سائر مدلولاته. مثال لك أنه نقل في ص ٢١ لردع مجهولاً معنيين وهما تغير لون الرجل ووجع جميع جسده. ونسي أن ينقل لنا معناه لآخر وهو الصرع فكان يحسن به أن يسرده لنا.
ثالثاً: لم يضبط لنا المؤلف بعض الكلم التي يحتاج القارئ إلى معرفة لفظها لا ضبط قلم
ولا ضبط كلام. فقد قال مثلاً في ص ٢١: وربع الإنسان كعتي إذا كان قده وسطاً فهو ربعة وربع ومربوع ولم يضبط لنا اللفظتين الأوليين فكان يحسن به أن يقول ربعة كقلعة وربع كمجد ويفتح الثاني فيقال فيه كجمل.
رابعاً: في بعض عباراته شيء من الإبهام أو العجمة فقد قال في تلك الصفحة: ربعت الأرض والقوم على بناء ما لم سما فاعله. صاروا في الربيع قلنا: فإلى من يرجع ضمير (صاروا) أفلو قال مثلاً: ربعت الأرض مطرت في الربيع والقوم. . . صاروا في الربيع. أما كان أوضح وأجلى؟.
خامساً: ذكر لنا الصديقي أفعالاً لا يعرفها أصحاب اللغة، فقد قال مثلاً في تلك الصفحة: (رجف الإنسان بالجيم والفاء كمني: لم يشعر بجنون عرض له: قاله أبن طريف وأبن القوطية) اهـ. ونحن لم نجد أحداً من أرباب المتون يصرح بهذا المعنى. وذكر لنا أيضاً في تلك الصفحة: رعر الرجل بالعين المهملة والراء كعني: غشي عليه اهـ. وهذا الفعل ليس بعربي ولا وجود له في أي لغة كانت. ولا جرم أن في روايته تصحيفاً والأصل رعن بنون في الآخر.
سادساً: وقع في الرسالة من التصحيف أنشنيع ما لا يخطر على بال. فقد قال في تلك الصفحة - ونحن لا نريد أن نخرج منها -: الرماع كغراب وهو وجع يعرض في ظهر الساق حتى يمنعه من السعي. فالظاهر من هذا التعبير أن لا غبار عليه ولا على معناه. والصحيح هو هذا: الرماع وهو وجع يعرض في ظهر الساقي حتى يمنعه من السقي. فأين هذا من ذاك.
سابعاً: من غرائب صاحبنا المؤلف أنه يفسر شيئاً بفعل من الأفعال وهو لا يتعرض له في موطنه. فقد قال مثلاً رجي بالجيم والمثناة التحتية كعني: أرتج عليه. وهو في حرف الراء هذا لا يذكر لنا ارتج عليه.