للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمثله بين أيدينا كما تمثله هذه الرواية.

عرفنا احمد باشا بالمكاتبة منذ سنين طوال لكنا لم نتلاق معه إلا في سنة ١٩٢١ وذلك أننا ذهبنا في شهر حزيران (يونيو) من تلك السنة إلى ديار الغرب لمباحث علمية وتاريخية. ولما وصلنا إلى الإسكندرية خطر ببالنا أن نذهب إلى القاهرة ونور فيها بعض الأحباب. ولما دخلنا عاصمة ديار النيل نزلنا في دار الصديق يوسف آليان سركيس الذي كنا نعرفه منذ سنة ١٨٩٧ فأعزنا واكرم مثوانا وفي يوم حلولنا منزله العامر طلبنا إليه أن (يتلفن) إلى الباشا في أي ساعة يأذن لصديق له حديث القدوم إلى الحاضرة أن يزوره، فأجاب في الساعة الرابعة بعد الظهر.

وفي الساعة الثالثة بعد الظهر إذا باب سركيس يقرع، فلما فتح فإذا بالباشا قادم في سيارته الباب وهو يقول: لا شك أن نزيلكم هو الأب انستاس ماري الكرملي. ولم نكن قد أعلمنا بقدومنا أحد، إذ كانت فكرة دخولنا القاهرة فكرة جاءتنا على غفلة، فتعجبنا من هذا الإلهام الذي لم نفهمه. . .

وفي الساعة الرابعة أخذنا الباشا إلى داره العامرة في شارع شجرة الدر إذ قال: قد وعدتكم أن أواجهكم في داري في الساعة الرابعة، فقد حانت فهلموا الي، فركبنا سيارته ودخلنا داره فإذا هي من أنزه الدور وأجملها وقد وضع في بحبوحتها خزانته البديعة، فقضينا ثلاث ساعات في المراجعة ومطالعة بعض ما في ذلك الفلك المشحون كنوزاً وذخائر ونفائس.

وبعد أن مضى على هذه الملاقاة يومان دعانا إلى مواجهته في ذهبيته فجاء هو بنفسه إلى محلنا وأخذنا إلى ذهبيته فلما وصلنا إليها ألح علينا أن نبقى معه فيها شهراً للمذاكرة في العلوم والآداب والمراجعة، ولما كان الأمر مستبعداً إذ لم نتهيأ لذلك رضينا في الآخر أن نبقى معه أسبوعاً، فلما تم الاتفاق بيننا على قضاء تلك الأيام استدعى خدمه وكانوا ثلاثة

وقال لهم: أن صاحب هذه الذهبية هو هذا الأب انستاس ماري الكرملي وأنا هنا ضيف عنده فاعملوا بما يقوله لكم ولا تسمعوا مني شيئاً ما لم تتحققوا الأمر منه وبرخصته. . . إلى آخر ما قال.

<<  <  ج: ص:  >  >>