للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يغنينا الإبهام. فالواقع نتائج ما قبلها وتمهيد لما يؤول إليها الزمن من حوادث بعدها. فهي مرآة أظهرت

صور ذلك العصر. . .

هذا المؤرخ رسم لنا بل وصف حالة العصر قبل زمن هذا الوالي والتبدل الذي أجراه في مدة حكومته. فقد بذر البذرة الأولى لتأسيس حكومة المماليك في العراق وقوى يد الترك ومكنهم في هذا المحيط وأمات الروح الوطنية أو أنه قضى على قدرة الأهلين على اختلاف صنوفهم. ولولاه لنال حظاً من الإدارة الاستقلالية.

ومن الغريب أن يهمل شأن هذا المؤرخ الطويل الباع في تفصيل الحوادث وفي لفتاته القومية، فتاريخه (قويم) بمعنى الكلمة. ومن حسن الصدف العثور على هذا المؤلف الذي بسببه توضحت الوقائع في الرابع الأول من القرن الثاني عشر: وبهذه الصورة صححت صفحة من التاريخ وانجلى عنها المبهم فلم نجد لها مصدراً تاريخياً أعظم من هذا المؤلف الجليل.

ولعل دواعي أهماله، واكتفاء أبناء يعرب بمجمل ذكراه فقط واضحة، أما من غيرهم - أعني الترك - فذنب لا يغتفر مع أننا نراه يروج سياستهم أو بالتعبير الأصح لا يعرف سياسة غيرها، ولذا يعد أكبر داعية لهم وأن كان لا يقصر في الإيضاح والتفصيل عن وقائع هذا القطر والإطناب فيها. وزيادة على ذلك نراه يخذل سياسة العجم ويحبب إدارة الترك.

الوزير والمترجم

أن المؤلف يصف الوالي بأنه جامع لمزايا أخلاقية نبيلة ومشهورة بالعدل والأنصاف والشجاعة والإدارة الحكيمة، ويبدي عن نفسه أنه صادق في كل ما قاله عن هذا الوزير فلم يراع الإحساس ولا الإطراء الفارغ، ولا الغلو في المدح. . . ذلك لأنه مولوي وأنه يبغض الكذب ويجانب مركبه، ويتحاشى الرياء وسلوكه. . . وإنما دون ما رآه ولم يخرج إلى طريق الغلو.

وفي الحقيقة يذكر انتصاراته، ولم يتنكب عن بيان مخذولياته ومغلوبياته فالواقعة يقصها أياً كانت نتائجها ولا يبالي، ولكن بأسلوب جميل وبحكمة من البلاغة لا تخفى. . .

وقد أوضح أنه غني عن أي مخلوق. ولا أمل له في ماله قل أو كثر. . .

<<  <  ج: ص:  >  >>