للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن شاوي هذا جدهم الأعلى، وهو أول من عرف منهم في بغداد، وهو الذي سالم الحكومة وعزم على موافقتها في خطتها، وقاوم بنفسه، وبقبيلته، العشائر المعادية، كما أشير إلى ذلك. ولا يذكر له من الأوصاف اكثر مما يوجد في رئيس قبيلة من كرم طباع، وذكاء عربي خالص، ونفوذ نظر للأمور وسرعة حل، وحسن تدبير وحلم، مما تعرف في رئيس

حاذق، عارف، ولذا نجد أخباره المدنية، وأعماله القومية ليست بالغربية.

واهم ما فيه مما أفاق به أقرانه أن تمكن من وفاقه للحكومة، والرضى بمقترحاتها. وأقام ببغداد تنفيذاً لهذه المطالب، والحكومة آنئذ بيد المماليك تقريباً، فراعى طراز إدارتهم وماشي سياستهم.

ولعل حكومة المركز لم تنتبه لمثل هذه الأمور، لبعدها عن العراق لولا حكومة بغداد، واطلاعها على حقيقة الإدارة. واكتسابها أخيراً من السطوة والنشاط ما لا يوصف بهذا الوزير حسن باشا. ومع هذا كانت حكومة العراق بين عاملين: بين تسكين الداخل والتأهب لطوارئ الخارج.

في هذا الحين طبعاً تحتاج الحكومة إلى مناصرة ومؤازرة من بعض القبائل وكان من السياسة قضاء حاجات العربان، والتساهل عليهم، على يد أميرهم (شاوي بك) والتوسط لهم بينهم وبين الآهلين للتفاهم وإزالة الخلاف.

وبهذه الصورة حاز المومأ إليه كل قوة مقدرة. فالحكومة لا تعرف غيره والعشائر لا يفاوضون سواه، ولا يتفاهمون مع غيره، ولا يلجئون إلى امرئ عداه.

وتتوضح هذه الحقيقة بجلاء من مراجعة الوقائع التي دونها التاريخ في زمن اختلال الحكم، واضطراب الأحوال بين أمراء المماليك، وبين وزراء الدولة أو بالتعبير الصحيح وبين حكومة المركز (الآستانة) أو بينهم وبين العشائر.

ومن ذلك الحين تيسر له أن يربي ولده عبد الله بك ويدربه على مثل هذا المسلك. فقويت شوكته بعده، وهو مجهز بوسائل معروفة أقوى واتصال بالداخل والخارج. واترك الكلام على عبد الله بك هذا إلى المقال التالي من الله المعونة.

المحامي عباس العزاوي

<<  <  ج: ص:  >  >>