فترى من هذا المثال منزلة هذا الكتاب وبذل العناية في تعميم فوائده في طبعه إذا تمت أجزاؤه. ومن الغريب أن من هذا الكتاب نسختين في دار الكتب الخديوية وكل نسخة منهما تحوي الجزء الأول والتي عددها ٧٦٩٧ تامة والتي عددها ٧٦٩٨ ناقصة الأخر لكن فهرست الكتب المذكورة لم تذكر سنة كتابتهما. ولعل ذلك ناجم من إهمال التاريخ فيهما. وبهذا القدر كفاية.
التشبيهات العامية
أصبحت اللغة العربية تضم بين دفتيها أمماً شتى متبعثرة في كل صقع من أقاصي الهند وماليزيا شرقاً، إلى أقصى بلاد الغرب وبحر الادرياتيك غرباً، لا بل تعدت عباب الاقيانوس، ونثرت بذورها الحية في أميركا، فأصبحت موضوعاً من المواضيع التي تستحق البحث، لا سيما وأن اللغة خزانة تكنز تحت إغلاقها آثار الأمة وأفكارها، ولولا تقيد خواطر الأمم بالأخبار، وتدوينها في الكتب التي هي نسيلة لغتهم لضاعت الأمم كلها بأسرها؛ فهي أوسع عيبة لأخلاق الأمم ومعارفها، واعدل شاهد على الناقص والوافر من الناطقين بها.
نرى صفاً من العلماء قد واصلوا الخطى، واجهدوا دقائق الدماغ، تفكراً وسعياً وراء العلوم الطبيعية أم الاختراعات الحديثة، وطلباً لمصادر الثروة، وتقريباً لأسباب المعيشة وتسهيلاً للنقل، وتخفيفاً للأثقال، ونرى أمامهم صفاً آخر ليس بالقليل يفتش أعماق الصخور، وينقب في أجواف الكهوف، عن كلمة من لغة الأمم البائدة، أو عن سطر من أسفارها، طلباً لتوسيع المدارك واختباراً لحالات البائدة. وتصفحاً لأخبارها وآثارها ومن أخلاق وعلوم وعادات.
على أن علماء هذا اليوم لم يوجهوا أنظارهم إلى ما تقادم عهده من الأمم الهلكة المنقرضة، ولغاتها، وآدابها، وتاريخها، بل حولتها أيضاً إلى لغات أقوام هذا العهد الحية، وأخذت تعارضها بما سبق مثاله منها. لتعرف أسرار