للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغابرين من وقوفها على دخائل المعاصرين. فنهض لهذه الغاية من جميع الأمم قوم من أهل السعي والإقدام، ونثلوا كنانة وسعهم وراء تحقيق هذه الأمنية، ففازوا بالسهم المعلى منها؟ وهانحن أولاء نقتفي آثارهم في وضع حجر في أساس لغتنا الشائعة العامية، تلك التي اختصم في أمرها أقلام ثلة من الكتاب، تختلف آراء أصحابها بعضها عن بعض. فقوم يظن أنها كانت قبل الإسلام أسيرة خدرها قد اشتبكت على حجلتها الإطناب، فعاشت بعيدة عن عوامل النحت والتحريف، نائية عن فواعل القلب والتصحيف؛ بل أصبحت في منحى لا يصل إليه التغيير، ولا يتطرق إليه الفساد. كيف لا وهي لغة نشأت بين قوم لم يألفوا ألا البهائم والقفار؛ ولم يعرفوا سوى المغاور والكهوف من الأمصار، حتى قال قائلهم: (ليس وراء عبادان قرية). ولهذا قال أصحاب هذا الحزب أن اللغة العامية ليست واللغة الفصيحة بتوأم، بل هي أخت صغيرة لها، نشأت بعد أن قطعت أختها البكر نصاباً من العمر أو مئين من السنين.

وهناك حزب يرى انهما رضيعتا لبان، نشأتا في مهد واحد، وترعرعتا في حضن واحد، وأن اللغة العامية برأسها قديمة بقدم الفصحى.

وربما ينضم إلى الحزبين حزب معارض وهذا صوته: إن اللغة العامية أن أريد بها نتائج التحريف والقلب والتصحيف فهي قديمة لوجودها في لغة الناطقين بالضاد منذ الزمن الأول، ولأنه لا يمكن للغات كلها أن تخضع لقانون عام ترسف بقيوده، وليس غرض الناطق إلا ما يدل على المقصود؛ فيردد ما يخف على الشفاه، ويسهل على اللسان، فيضطر حينئذٍ إلى التصحيف والتحريف؛ وحسبنا شاهداً على ذلك أن اللغة العامية في الأول كانت مقصورة على النادر والشاذ، ثم نمت هذا النمو المدهش؛ ولولا خطة البحث هنا أضيق من سم الخياط، لسردنا عليك أدلة جمة مقنعة. وإن أريد بالعامية ما اشتملت على الدخيل، وما حط بفنائها من النزيل، فهي ليست بقديمة كما هو مذهب الحزب الأول والشواهد هي أدلتهم.

ولقد تتبع الباحثون عن لغتنا الفصحى، فكانت نتيجة استقرائهم قوانين

<<  <  ج: ص:  >  >>