للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونواميس قد عمت

مفرداتها ومركباتها، فأودعوها مجلدات ضخمة، هي المعاجم وكتب النحو والصرف وأسفار المعاني والبيان والبديع؛ ولو قيض للغتنا العامية نقاب يستقري كلماتها، وينقب عن دقائقها، لعرف أن في الفرع ما في الأصل، بل وزيادة. ولا يلبث أن يرجع ممتلئ الحقائب من تلك النواميس الوضعية. فإن من عرف أن تلك القوانين ليست بالطبيعية ولا العقلية ولا يمكن التملص منها بل هي وضعية ناتجة عن قياس: كبراه الاستقراء، وصغراه الأغلب، آمن بأن لغتنا العامية قابلة للخضوع لتلك القوانين عينها. أما الأعراب فلا يستطاع إدخاله فيها كما هو في أختها لأن السكون سائد عليها فلا تجد حركة في آخر كلمة منها، ولكن النحو مستطاع لمعرفة الفاعل والمفعول وجملة من مسائل النحو بطريقة أخرى؛ عسانا أن نطرق موضوعها بعد البحث والتنقيب. وأما البديع فهو بأغلب أنواعه موجود فيها كالجناس والانسجام والاقتباس والاستعارة والتلميح والتشبيه الذي هو موضوع البحث.

فالتشبيه، وبعبارة اضبط: القياس أو المقارنة موجود في لغتنا العامية ووجوده في أختها وسأفرغ الوسع في رسم التشبيهات بنصها ومنطوقها؛ ولا اتعرض للتشبيهات المبذولة فإنها لا تصلح لأن تكون غذاء للفكر، ولا مورداً للأقلام؛ وإنما اذكر الشائعة منها، والجارية مجرى المثل، وأنت تعلم بين التشابيه والمثل. فالمثل توقيفي، وهي ليست بتوقيفية، وربما التقينا على مادة البحث بصاحب الأمثال العامية وافترقنا بسلام وبعد هذا التمهيد أقول:

أدوات التشبيه في لغتنا العراقية العامية ثلاث: (مثل) (وجنه) بالجيم المثلثة الفارسية ونون مفتوحة وهاء ساكنة؛ اصلها كأنه وقد اعتاد بعض العراقيين قلب الكاف جيماً كما مر الكلام عنه في هذه المجلة والأداة الثالثة المصدر المدخول عليه أداة تشبيه محذوفة. فإذا علمت ذلك اذكر لك الآن ما يقع في حفظي من التشابيه، فمنها قولهم:

(مثل الزيبك لا يطير بعيد، ولا ينلزم بالأيد)

الزيبك كثير الاضطراب، منه ما يستقى من معدنه، ومنه ما يستخرج من حجارة معدنية؛ واصل اللفظة زئبق، والعامة تبدل القاف كافاً فارسية مثلثة كما مر الكلام

<<  <  ج: ص:  >  >>