للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاخبروا أولي الأمر فأمر هؤلاء بالاحتفاظ بهذا الكنز الثمين، حتى يقوموا بإحياء ذكرى أبي نواس العزيزة، ذكرى المرح، والهوى، والشعر، والشباب.

وما سمع الزهاوي شيخ الشعراء وفيلسوفهم، بهذا النبأ حتى دوى صوته في أجواء بغداد فرددته النوادي الأدبية العراقية، وإذا بأربعين شخصاً بين أديب وشاعر، يلتفون حول شيخهم، فتقدمهم قائلا: (يجب أن نحج إلى قبر النواسي على الأقدام). وزحف هذا الجمع،

وعلى رأسهم بلبل الرافدين وشيخ الصناعتين، وهو الشيخ الوقور الجليل، الذي رمى الزمان رجله بالشلل، بعد ما غمره بالارزاء، فما لين منه قناة صليبة، ولا صوح الألم والشجن نفسه، فهي ما برحت غضة ريانة (كذا) بالأحلام والأماني، كنفس فتى في ريعان الشباب، وفجر الحياة.

وكان هذا الزحف المجيد، أقدس تعظيم، وأكبر تمجيد، فإذا اعتور الزهاوي نصب، جدد نشاطه، وقوته المحطمة، ولم شبابه المتهدم، باستراحته على كرسي محمول مع القوم؛ ثم عاود المسير مع الجمع، وما أن بلغوا المقام حتى وقف السفر المحتشد حوالي القبر خشعاً أبصارهم، وشعروا كأن عطر المكان، أفعم نواحي نفوسهم رقة، وحناناً، وخيل إليهم أن شعر النواسي لم يزل ينفح عطراً وأريجاً دونه عطر العرائس، وأريج الأزهار.

وانتصب فيلسوف العراق، وشاعرها الكبير. واقفاً على حافة الرمس منشداً شعره الحي، مهتاجاً موصياً أن يدفن والنواسي جنباً إلى جنب، وكان يلمح الراؤون حينذاك، في غضون طلعته البهية، صور الهوى العافي، ورؤى الشباب الدائر، ومتسع الماضي الزائل).

وانتهى أستاذنا الصراف من قصته الممتعة، وغرقنا في لذة ونشو، وأرسلنا تحية الإجلال، والحب، إلى الزهاوي، شيخ الشعراء، وفيلسوف الشعراء) أهـ.

إلى (يقظان)

ابتلينا برجل كانت مهنة آبائه نقر الرخام فاستصعبها فعدل عنها إلى معالجة الأدب، ولم يحتفظ من تلك الصناعة إلاَّ بالنقر، نقر الناس، حيثما صادفهم، وقد أغرم بمطالعة مجلتنا إذ يقف على كل ما يكتب فيها مفلياً كل عبارة من

<<  <  ج: ص:  >  >>