للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قضيت في تدريس العربية ست سنين: وطالما رأيت التلاميذ يتضجرون، ويشتكون من

العربية، ويعدون فهماها والنجاح فيها من المعجزات؛ وما ذلك إلاَّ لعدم وجدانهم كتباً تناسب عقولهم، وتسير في تقديم البحوث على أسلوب قويم ومنهج مستقيم، وإلى الآن ما وجدت كتاباً في القواعد العربية مبنياً على التجربة، وأساليب التعليم الفنية؛ ونقائص هذه الكتب لا تبدو إلاَّ لمجرب مرب متضلع من العربية، فان حرم أحد هذه الثلاثة لم يفطن لها، فمن تلك النقائص:

(١) التخليط في التعاريف كأن يعرف أحد المؤلفين الاسم بقوله: (الاسم: كلمة تذكر لتسمية شخص أو حيوان أو شيء) ولا يعلم أن الشخص والحيوان شيئان، فيعتقد الطلاب هذا الاعتقاد، ولكنه هو نفسه إذا عرف اسم الاستفهام قال: (اسم الاستفهام: هو ما يسأل به عن شيء) فهذا يستوجب عند التلميذ أن لا يسأل به عن إنسان، ولا عن حيوان، لأن الشيء عندهم قد صار لا يتعدى الجماد، فتأمل هذا الاضطراب. ويعد من باب الخطأ في التعريف (التورط في التفهيم) كأن يقول أحدهم للتلميذ: (إذا قلت: نفتح الباب، نفهم أن الحدث يجري الآن) ثم يقول: (أما إذا قلنا: يقرا الولد درسه) فأننا نفهم أنه لا يزال يقرأ في وقت التكلم وسيستمر على القراءة بعد التكلم) وأنت تعلم أن لا فرق بين (نفتح) و (يقرأ) من حيث الزمان، فيشتبه الأمران على التلميذ ولا يكون علمه متحققاً عنده.

(٢) التعابير المغلوط فيها، لأن المؤلف لكتاب في القواعد العربية يجب عليه أن يكون سلس التعبير، طاهر العبارة، متين الجمل، محكم البحث: وإلا ففساد كتابه اكثر نصحه، ومن ذلك قولهم للتلميذ: (على كل إنسان أن يحب وطنه، ويفدي دونه كل نفيس) فالفداء حصل ل (كل نفيس)، لا للوطن، ومصدر هذا الخطأ خاصة قول الرصافي الأستاذ في أحد أناشيده:

نبذل الأرواح نف ... ديها لإحياء الوطن

فالفداء صار للأرواح لا للوطن، فصواب الخطأ الأول (ويفديه بكل نفيس) وصحيح الغلط الثاني ونفدي بها أحياء الوطن).

(٣) فساد السؤال كأن يقول أحدهم لتلميذ لم يتعلم إلاَّ لتعريف الكلام،

<<  <  ج: ص:  >  >>