للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسعة المعرفة وجودة الرأي وشدة الأنفة يعبدون الحجارة ويحلفون بها ويتحامون كسرها وينكسون لها ويدعونها آلهة ويخاطبونها ولا يتجبرون عليها وينكرون على من ينقصها ثم مع ذلك ربما رموا بها واتخذوا سواها ثم كانوا يرون أن الرجل منهم إذا مات فلم يأخذ ولية بعيره فيحفر له حفرة ثم يقيده على شفيرها ويطرح برذعته على وجهه ورأسه ثم لا يسقيه ولا يعلفه حتى يموت. إن ذلك الرجل الميت يجيء يوم القيامة حافياً راجلاً فإذا فعل ذلك أتى راكباً

وذلك البعير يسمى البلية. قال ابن مقبل: كالبلايا رؤوسها في اللوايا. وقال آخر:

منازل لا ترى الأنصاب فيها ... ولا حفر البلايا للمنون

ويقولون أيما رجل قتل فلم يطلب وليه بدمه خلق من دماغة طير يسمى هامة فلا يزال يزقو على قبره وينعى إليه حتى يبعد قال شاعرهم:

فان تك هامة بهراة تزقو ... فقد أزقيت بالمروين هاما

ومن ثم كانوا يستسقون للميت وكانوا يقولون أيما شريف قتل فوطئته امرأة مقلات، عاش ولدها. قال بشر بن أبي حازم الأسدي:

تظل مقاليت النساء بطأنه ... قلن ألا يلقى على المرء مئزر

وكانوا يقولون أن الرجل إذا ملك ألفاً من الإبل أن السواف يأتي على ابله فيفقأ عين الفحل فان زادت على ألف فقأ عينيه جميعاً فذلك المفقأ والمعمى قال الشاعر:

فقأت لها عين البعير تفقداً ... وفيهن زعلا المسامع والجرن (كذا)

وكانوا إذا أجدبت بلادهم، فأرادوا الأستمصار، اخذوا بعيراً أورق، فشدوا في أذنيه العشر، والسلع، وصعدوه في الجبل وأشعلوه في أذنيه النار، ودعوا وتضرعوا ويزعمون انهم أن لم يفعلوا ذلك، لم يستجب الله منهم

وكانوا، إذا وقع العرفي الإبل، يأخذون بعيراً سليماً لا عيب فيه فيقطعون مشفره ثم يكوونه ليذهب العر عن سائر الإبل وإلا فشافيها. قال النابغة:

وحملتني ذنب امرئ وتركته ... كذي العر يكوى غيره وهو راتع

وكان الرجل منهم إذا غزا، عقد خيطاً في ساق شجرة، إذا رجع ورآه منحلا

<<  <  ج: ص:  >  >>