وفي بعض الأحيان يهمل علل الحقائق الاصلية، ويتمسك بعلل دونها قوة وإقناعاً. من ذلك
ما قال في أسباب كثرة المترادفات وهذا كلامه:(وأسباب كثرة المترادفات في العربية عديدة منها: إن كثيراً من أسماء الحيوان اصلها نعوت ثم صارت أسماءً، وبعضها مأخوذ عن لغة أخرى. . . وقد يكون السبب في زيادة المترادفات استعارة أسماء حيوانات أخرى للدلالة على هذا الحيوان يتكنون بها عن بعض طبائعه.) - قلنا: وقد أهمل ذكر السبب الأصلي لهذه المترادفات وهو اختلاف القبائل، فأن الشيء الفلاني إذا عرف باسم عند قوم فهو يعرف باسم آخر عند قبيلة تجاورها. فلما جمع العرب في صدر الإسلام مفردات اللغة اثبتوا تلك الألفاظ على كثرتها بدون أن ينسبوها إلى القبيلة التي تتكلم بها فكثرت المترادفات.
وكذلك القول في الأضداد في العربية. فإن هذه الألفاظ لا توجد بالمعاني المتضادة في لغة القبيلة الواحدة وإنما هي بمعنى في لغة جماعة منهم، وبمعنى آخر في لغة طائفة أخرى. أي أن القبيلة التي تستعمل مثلاً حرف (قعد) بمعنى جلس لا تستعمله أيضاً بمعنى قام. وألا امتنع التفاهم. وإنما هي بمعنى دون آخر عند قبيلة أخرى، كما أثبته القوم في كتبهم ودواوينهم. - ونقول مثل ذلك في الألفاظ الكثيرة المعاني، اللهم إلا أن تكون تلك المعاني متجاورة الوضع، أو مجازية، أو فيها بعض المناسبة اللغوية، أو الاشتقاقية؛ فالأمر كما ذكر.
ومن الأقوال التي لا نوافقه عليها: زعمه في ص ٥٩ أن: (ليس في الدنيا أمة تضاهي العرب في كثرة الشعر والشعراء.) فنظن أن حضرته لم يقف أتم الوقوف على شعراء اليونان والرومان وعددهم وعدد دواوينهم. فليطالع في هذا الموضوع ما كتبه العلماء في هذا العصر.
ومما يدخل تحت هذا الباب قوله (ص ١٩٩): أما الأسلوب الإنشائي فلا يمكننا تعيين مقدار التغيير الذي أصابه، لأن ما وصلنا من إنشاء الجاهليين لا يخلو من صبغة إسلامية إلا سجع الكهان، فالغالب أنه بقي على حاله. والفرق بينه وبين أسلوب القرآن كالفرق بين الثريا والثرى.)