للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغرف والدهاليز حتى الأبواب والمنزويات، وذلك لما بين اللبن القديم والتربة المحيطة به من الفرق في الجفاف.

وإلى اليوم لم يكشف القصر كشفاً صادقاً إلا إنه يبدو جلياً أن هناك من الفائدة الخارقة العادة

ما لا يخفى على أحد، ولعل الزائر يخيب ظنه بعد الالتفاته الأولى لما يرى حواليه من الخراب الظاهر. ولكن لو نقب القسم الشرقي من البناء لكشف دهليزاً تحت الأرض يمتد على موازاة جدار الحصن في الخارج. وثخن ذلك الجدار أربع عشرة قدماً، ولعل تلك الأزقة أقدم أزقة تعرف من نوعها، وكأنها تبيح للمنفرج بمكنونات غابر عهدها، وما جرى فيها من الوقائع الخطرة، والحوادث الروائية، التي تروق الإنسان لما فيه من عواطف الأطفال. إذ أن هذه العواطف لا تبرح معظم البشر طول حياتهم. ولم يوقع بعد على أحد طرفي هذا الممر مع أنه حفر فيه ما طوله مائتا قدم، ويرى بين تلول تلك الأنقاض المملة ما تحتويه من أسس الأبراج المستديرة والبئر الواقعة في الفناء، والحمامات والبلاليع المقيرة وموائد الطعام وطبقات الرماد الدالة على أن القصر غزي واحرق غير مرة. وبإجهاد الفكر بعض الإجهاد، يمكننا أن نعيد إلى مخيلتنا ذلك البناء وقديم مجده وما طرأ عليه من الطوارئ الخيالية وما شهده من المحاربة والموت، وهو اليوم خراب غريب في موضع مهجور.

وعلى الزائر بعد ذلك أن يعرج نحو الجنوب ليرى الأبنية المحفورة في كتلة التلول المرتفعة التي يسميها العرب هنالك (عين غرا) وكان أسمها في القدم (هر سجكالما)، وترى في ذلك الموطن زقورتان (مفتولتان)، وهيكلان على أقل تقدير، وقصر محصن، وهناك أيضاً أبنية أخر لم يطلع على حقيقتها بعد. وأول شيء يستوجب كشفه هيكل عظيم، لم يحفر منه إلى الآن إلا قسم لا غير، ولا تزال بعض جدرانه قائمة في بعض الأماكن وارتفاعها ثماني عشرة قدماً. وجدد نبو كدراصر الثاني هذا الهيكل في القرن السادس ق. م. ويتضح أنه جرت فيه ترميمات غير مرة قبل ذلك الحين، وفي الحقيقة أن هناك ما يدل على أن الهيكل الأصلي يعود إلى زمن قديم جداً ولعله يرجع إلى سابق تاريخ

<<  <  ج: ص:  >  >>