محكماً إحكاماً خارق العادة، وفي الحقيقة كان عريضاً جداً، إذ نقل عن هيرودوتس أنه كان يتيسر لعجلة تجرها أربعة رؤوس خيل، أن تدور في الطريق الواقعة بين صفي أبنية ذات طبقة واحدة قائمة على حافتي سطح الجدار.
وعلى مسافة قصيرة من الاخربة الرئيسة وشمالها داخل الجدار الخارجي تواً، يرى تل بابل، وهو بقايا القصر المحصن الذي بناه نبو كدراصر لمحافظة المدينة حين يهاجمها عدو من الجانب الشمالي. ووضع نبو كدراصر نظام دفاع عظيم لأنه كان يخشى دائماً غزوات الماذيبن، ومن ضمن ذلك النظام سور منيع كبير ترى أخربته إلى هذا الحين على خمسة عشر ميلاً من جنوب شرقي سامراء، وهناك أيضاً حصن (سفر) وهو سور آخر يمتد نحو كيش، وفضلاً عن ذلك كانت لديه وسائل تمكنه من أن يغمر الأراضي ماء حوالي بابل فتحول دون العدو.
(راجع ما يخص أوبس وسفر).
ويتطلب تدوين تاريخ بابل مجلدات طوالاً، مع أن المدينة حديثة العهد بالنسبة إلى كثير من بلدان سهل شنعار المجاورة لها. ومعظم تاريخها حروب واضطرابات، وحربها لآشورية لم تنقطع البتة، وكانت آشورية خصم بابل في الشمال، وقد سلبت بابل مراراً واحرقت، واختطف الإله مردوك من هيكله (راجع ما يختص بآشور ونينوى). بيد أن بابل أصبحت في أزمنة الصلح مقر الديانة والعلم والفلسفة، فضلاً عن أنها كانت موئل التجار، وكانوا يؤمونها من ديار شاسعة، وتبرز ثلاثة أزمنة من تاريخ بابل بروزاً جليلاً وهي:
عرفت سلالة بابل الأولى بحكم حمرب العظيم. وله اليد البيضاء لما أوجد من الشرائع التي أنتفع بها العالم نفعاً جماً يقدر حق قدره.
عظم شأن بابل بعد ذلك حين حكمت سلالة (فاشي)(١١٦٩ - ١١٠١ ق. م) فتلالا نجمها في أثناء سلطنة نبو كدراصر الأول. إذ أن هذا الملك فاق فوقاً عظيماً حكم ملوك كيش الخامل. لأنهم ملكوا في بابل زهاء ستة قرون ولم يتمكنوا من أن يقهروا جيرانهم الآشوريين القهارين في الشمال. ولكن سلالة (فاشي) دانت لعزم (تغلث فلاشر) الأول وقوته (راجع ما يختص بآشور) ورزحت المملكتان تحت حمل غزوات الآرميين في الشمال مدة تقارب القرنين.