للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يذكرني طلوع الشمس صخراً ... واذكره لكل غروب شمس

ثم لا تراها إلا وقد عادت سكينتها تلتمس العزاء من وراء سجف الموازنة بين مصيبتها ومصيبة سواها من النوائح. فتقول:

وما يبكين مثل أخي، ولكن ... اسلي النفس عنه بالتأسي

فإذا هي تعود فتذكره تحت التراب موسداً، لا يأنسه صباح ولا مساء فتضطرب وتثور معولة. باكية مسائلة:

فيا لهفي عليه! ولهف أمي! ... أيصبح في الضريح وفيه يمسي؟

من الله رحمة وشفقة للملهوف المحزون! فهو أبداً يذكر مصيبة ووطأة حزنه، ويضطرب. لا يقر له ولا يهدأ على حال! انظر إليها كيف تذكره إذ كان يضحكها ويسليها ويجلو همها. ثم اعكف وتمثل ما تفيض به الأبيات التالية من عبرات ولهفات وحسرات:

ألا يا صخر إن أبكيت عيني ... فقد أضحكتني دهراً طويلاً

بكيتك في نساء معولات ... وكنت أحق من أجرى العويلا

ثم تتمثل حماه للحي، وذوده عن الحياض. وقد عمدت الآن نصيراً ومناصراً فتجد أن بكاءه وندبه حلال واجب، ولو كره المقبحون:

دفعت بك الجليل وأنت حي ... فمن ذا يدفع الخطب الجليلا

إذا قبح البكاء على قتيل ... رأيت بكاءك الحسن الجميلا!

هكذا تعبث بها الهموم وتتقاذفها العواطف، وهي تجر الأحزان، ففي كل بيت جميل معنى، وعظيم مغزى. وفي كل بيت خيال رائع، وجمال ذائع:

أبت عيني وعاودها قذاها ... بعوار فما تقضي كراها

على صخر وأي فتى كصخر؟ ... إذا ما تاب لم ترأم طلاها

حلفت برب صهب معملات ... إلى البيت الحرام منتهاها

لئن جزعت بنو عمرو عليه ... لقد رزئت بنو عمرو فتاها

فتى الفتيان ما بلغوا مداه ... ولا يكدي إذا بلغت كداها

<<  <  ج: ص:  >  >>