للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذ كانت الدولة الراشدية العلوية شعارها السواد أتخذ معاوية البياض وكان معاوية في صفين يجلس في قبة بيضاء وإياها يعني الإمام علي - ع - بقوله كما في نهج البلاغة: (وعليكم بهذا السواد الأعظم والرواق المطنب فأضربوا ثبجه فأن الشيطان كامن في كسره وقد قدم للوثبة يداً وأخر للنكوص رجلاً، فصمداً صمداً حتى ينجلي لكم عمود الحق (وأنتم الاعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم) الأخير من القرآن.

وكان حريث بن جابر في صفين نازلاً بين الصفين في قبة له حمراء يسقي أهل العراق اللبن والماء والسويق ويطعمهم اللحم والثريد فمن شاء أكل ومن شاء شرب.

وكانت علامات جند العراق (الصوف الأبيض) وعلامات جند الشام (الخرق الصفر) وعلامات بعض الخيالة في عسكر معاوية الخضرة.

أما سبب اتخاذ العباسيين السواد شعاراً فما جاء في الحديث النبوي من طرق مختلفة وبصور متعددة من طلوع الرايات السود من قبل المشرق وبها لمهدي صاحب الزمان الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. ولما أشرف عبد الله بن علي العباسي يوم الزاب في المسودة وفي أوائلهم البنود السود تحملها الرجال على الجمال البخت وقد جعل لها خشب الصفصاف والغرب بدلاً من القنا، قال مروان الحمار لمن حوله: (أما ترون رماحهم كأنها النخل غلظاً أما ترون أعلامهم فوق هذه الإبل كأنها قطع الغمام السود؟) وكان

العباسيون يظهرون للناس أن تمكنهم من الدولة الجديدة يكون باباً لحكم المهدي صاحب الأمر وذلك مسايرة لاعتقادات سواد الناس واحتيالاً للبحبحة، ولا أرى للمنصور سبباً حمله على تلقيبه أبنه محمداً ب (المهدي) سوى قطع ذلك الاعتقاد واثبات أن أبنه هذا هو المهدي الموعود وما أسرع ما قتل الشريف محمد بن عبد الله المحض النفس الزكية الملقب المهدي وإبراهيم أخاه لاحتكار المهدوية لأبنه ولتصفية الخلافة من هذا العكر المشفي بها على الفساد (على اعتقاده).

<<  <  ج: ص:  >  >>