للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو الفكرة الزائفة.

٦ - عقيدة الشيطان عند اليزيدية:

المشهور أن اليزيدية عبدة إبليس. وهذه لم تكن في الحقيقة عبادة، وإنما هي من نتائج مقاطعة اللعن، فانجرت إلى احترام للشيطان، وعده طاووس الملائكة بسبب تحريم ذكره لا بخير ولا بشر. وبهذا تراهم قد شذوا عن عقائد الأمم جميعها مع بعض الأقوام فلا نجد من يعظم الشيطان (أو يحترمه) سواهم. ولذا دعت هذه العقيدة إلى تقولات عنهم عديدة. فصار يخبط في القول بعض الكتاب، ويسحب أنه أتم البحث وبت فيه بتاً حاسماً.

ولما كانت هذه القضية من أهم ما زاوله الكتاب، ولها مكانتها من البحث نظراً لما دعت

إليه من التقولات والظنون. فأقدم نفسي إلى القراء في بسط القول عنها لإزالة ما علق أو يكاد يعلق بالأذهان مما هو غير صحيح. ولبيان حقيقة تولد هذا المعتقد أقول:

لما كانت اليزيدية من أهل السنة، وعقيدتهم في الخير والشر كعقيدة (خيره وشره من الله تعالى) فلا يرون سلطة لأحد في التدخل في شؤون الكون لا للشيطان ولا لغيره إلا أنهم لما كانوا صوفية غلب عليهم التفويض وبالغوا في التوقي من نسبه أي فعل لأي مخلوق تنزيهاً للبارئ تعالى من شائبة الشركة. ومن الضروري أن ننظر أن هذه العقيدة كانت عندهم كذلك في الأصل.

وحينئذ يعرض لنا سؤال: متى داخلتهم (عبادة الشيطان)؟

لا أقطع في تاريخ تبدل العقيدة وتحولها، وهو كما ترى غير دقيق، لأن هكذا قضايا لا تتبع في تدوينها الوقائع اليومية. وإنما يكون تبدلها تدريجياً. والتبدل المحسوس المنقول بصورة واضحة ظهر في نحو القرن الثاني عشر الهجري. والصحيح أن هذه العقيدة كانت قبل ذلك التاريخ بكثير وأما صاحب (دبستان مذاهب) - وأن كان لم يذكرها - فأن مؤرخي الموصل - ذكروها بصورة متأخرة، إلا أن الاعتقاد قد سبق التدوين بلا شك، ولم يشعر بها الخارج إلا بعد مضي وقت طويل.

والأمر الذي يستوقف الأنظار أنهم من أين داخلتهم؟

<<  <  ج: ص:  >  >>