هذا وأن سرجون الأول سار بجحافله إلى البحر المتوسط، وهجم بجيوشه الجرارة على بلاد جبليه. فحمل شيئاً كثيراً من حجارها الكريمة. ونحت منها تماثيل وآنية كثيرة. وأعراب العراق اليوم النازلون في البوادي البعيدة عن العمران يقطعون حجاراً عظيمة من الجبال الكثيرة المنبثة حول مكة لينحتوا منها هواوين واجراناً لسحق البن وطحنه.
فيظهر من هذا أن قدماء هذه الديار لم يبتعدوا كثيراً في طلب الأحجار، ففي منطقة الفرات بالقرب من الدير هضبة من الحجر الأبيض الرخو الشبيه بالرخام وفي الصحراء الواقعة في أطراف حائل صخور كثيرة من المستماز. وفي الجبال القائمة في شمال وشرق العراق أنواع مختلفة من الحجر الذي يضارع حجر تلك الأواني كل المضارعة ويمثلها تمثيلاً
صادقاً.
إن المسألة التي حيرت عقول علماء الآشورية هي جواب (كيف استطاع قدماء هذه الديار
أن يصوروا آنيتهم ويشكلوها بأشكال متنوعة؟) فان اغلب الأواني كانت مستديرة ومنها مستطيلة ومربعة ومقعرة. هذا وانحناء الدائرة المناسب كل المناسبة يدل على إن عمل الإناء تم بواسطة المخرطة في صناعة اسطوانات الخواتم أيضاً.
كان الحجر الآنية المستديرة مصقولا صقلا نعما بحيث لم يبق للمخرطة اثر فيه. بيد أن المصابيح الصدفية لا تزال آثار الأزميل ظاهرة فيها برغم الصقل المجود وكانت الأدوات القاطعة من النحاس. لان الشبه والحديد لم يكونا معروفين في ذلك الحين. وعليه فقد استعمل النحاس لقطع اصلب الأحجار وأمتنها.
من أين جاء الشمريون بأشكال آنيتهم البديعة إلى هذه الأقطار؟ فهذا السؤال ليس بسهل أن يجيب عنه الأثريون جواباً شافياً. فقد ظهر لهم من تتبعهم آثار الشمريين. إن هذا الشعب قدم العراق وهو حامل في حقائبه بذور حضارة قديمة من بلاد مجهولة. واخذ بنشر الفن والعلم والصناعة التي زاولها في دياره الأصلية حتى عم انتشارها. واخذ السكان الأولون يقلدونهم ويحاكونهم محاكاة عجيبة أدت إلى توالي السنين إلى اتحادهم بالتحالف والتعاضد. ثم بالاقتران والمصاهرة حتى اصبحوا أمة واحدة.