للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترى ما هي الغايات التي يطمح إليها أبناء الكرمل في ما يتطوعون للقيام به من الأعمال نحو الإنسانية، وما يكابدونه من التبعات أمام الله والناس في عملهم العظيم؟ أليست خدمة الله جل جلاله على هذه الأرض، وإرشاد بني البشر إلى افضل الطرق التي يحسن لهم سلوكها، لبلوغ هدفهم الاسمى، وغايتهم القصوى، هل من خدمة أنبل من هذه، وهل في إمكان أي إنسان أن ينكر عليهم هذا الفضل العظيم؟ - نشأت، في أحضان هذا المبعث وترعرعت في كنفه، فشاهدت ما شاهدت، وشعرت بما شعرت، من العطف الأبوي، والعناية الفائقة التي بذلتها أيادي المرسلين في سبيل تثقيف الناشئة، وتغذية أذهانهم بالنافع الجليل من التعاليم العلمية والروحية، غارسين في نفوسهم بذور المبادئ القديمة، ومدربيهم على ممارسة الفضائل واتخاذها عادات ثابتة، تلازمهم أول حياتهم، أينما حلوا ورحلوا. رأيت كيف نهض الأباء في أول سني الحرب العظمى، لما مزق الاضطراب أوصال هذه المدرسة بنتيجة أبعاد أساتذتها الذين كان جلهم من الأجانب عن هذه الديار. أجل رأيت كيف اهتموا بالأمر، ذلك الاهتمام العظيم فجمعوا أشتات التلاميذ في تلك الظروف العصيبة، وجعلوهم تحت حمايتهم في محلات وقتيه خوفاً عليهم من التشرد، وحرصاً على أخلاقهم من التدهور المروع الذي كان يتهددها، ودرءاً لضياع وقتهم الثمين - وقت الدراسة - فيما لا طائل تحته.

رأيت كذلك ما بذلوه من الهمة القعساء في استئناف عمل التهذيب. حالا بعد الاحتلال، فجاءوا بأقدر الأساتذة لتهيئة الطلاب للفئة الجديدة التي نشأت بعد الحرب، ولم يدخروا وسعاً في توفيق الأساليب العصرية الراقية، في مختلف شؤون التدريس والرياضة، فكان النجاح حليفهم بدليل أن مدرستهم لها اليوم صوت يسمع في معظم دوائر العمل المهمة في العراق، وبين خريجيها العدد الوفير من المبرزين في المهن الحرة وأرباب المناصب العالية في مؤسسات الحكومة والتجارة وغيرها، وإليهم يرجع الفخر في توفر المزايا الأخلاقية فيمن تعهدوهم برعايتهم وشملوهم بعنايتهم، وإليهم يعود الفضل في انتشال العدد العظيم، من وهدة الجهل والأمية. فلقد ساروا بهذه المدرسة سيراً حثيثاً في مضمار التقدم والرقي، إذ نظموا مناهج الدراسة تبعاً لمقتضيات الحال، وجعلوا للحركة الرياضية مركزاً بارزاً الشأن في المدرسة.

فأني اذكر الفخر والسرور ذلك اليوم المشهود الذي خفقت فيه راية الفرقة اللاتينية تيهاً وعجباً، لما فاز طلبة مدرسة القديس يوسف على جميع طلبة العاصمة في مباراة كرة القدم، وظفروا بالدرع التي قدمتها دائرة المعارف في سنة ١٩٢٠.

واذكر مع مزيد الإعجاب الروايات الشائقة التي مثلها طلبتها عند ختام سني الدراسة فنالت إعجاب الجمهور العراقي والأجنبي على السواء وخلبت ألبابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>