للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واذكر بالأخص إحدى الروايات الغنائية التي مثلت بنجاح فائق في أول سني الاحتلال، فأدهشت جمهور الأوربيين أيما دهش وأخذت بمجامع قلوبهم، بحيث لم تستطع عقيلة مدير المعارف العام كتمان سرورها وإعجابها العظيمين فنهضت وفاهت بهذه الكلمة التي لا أزال اذكرها وهي: (لو أغمضت عيني إغماضه وتناسيت المحل الذي أنا فيه، لقلت أني الآن في قلب إنكلترة). والمدهش في هذه الحفلات الروائية أنه كان فيها قطع تمثيلية وغنائية في اللغات الثلاث العربية والإنكليزية والفرنسية؛ فأثار هذا الأمر أحد الوجوه الأجانب وأدى به الأمر إلى التصريح على صفحات صحيفة إنكليزية: (إن هذا الأمر يندر وقوعه في مدارس أرقى الأمم، ويستحق الشيء من الثناء والتقدير).

غير أن المساعي الجليلة التي بذلت في سبيل رفع مستوى المدرسة إلى مصف الكليات الراقية لم يقدر لها - مع مزيد الأسف - النجاح المنشود ولا يعزى ذلك إلا إلى سبب واحد لم يكن في وسع السلطات المدرسية تلافيه، ألا وهو خروج الطلاب المبكر من المدرسة وتهافتهم على الوظائف في تلك السنين التي ندر فيها الموظفون الأكفاء، وكان حظ المتعلم بينهم راجحاً غانماً، فما كان اعظم التضحيات بالمال التي كابدتها المدرسة في سبيل الاحتفاظ بالصفوف العليا على الرغم من ضآلة عدد الطلاب الموجودين فيها! لعمري! كادت تكون تلك التضحية في هذا الوجه ابعد ما يستطيعه الإنسان، مهما اخلص الخدمة لبني البشر. وذلك أن المدرسة فتحت لثلاثة أو أربعة طلاب فقط صفوفاً عالية وألقيت الدروس في جميع الفروع، كما لو كان في الصف ٢٠ أو ٣٠ طالباً! فهل من دليل اعظم من هذا على عظم الجهود التي بذلها الآباء؟ ألأم نر الجناح الفخم من البناء الحالي قد بذلت فيه الأموال الطائلة على إنشائه وكانت المدرسة الضيق، والعسر المالي. رغبة في إكمال مرافقها والحصول على ما تفتقر إليه من الغرف العديدة للخزانة والمختبر الكيموي الواسع

والمعروضات الخلقية وردها الراحة وغرف المدرسين وما إلى ذلك من المغالق الواجب تيسيرها في عمارة كهذه.

أفلا يجدر أن تسجل هذه الأعمال بحروف خالدة في نفوس ذلك الشباب الذي يلتذذ اليوم ويتذوق الثمار اليانعة التي غرست أشجارها أياديهم اللبقة، ويتمتع بحياة منظمة، حسب المبادئ التي اختيرت له في أثناء دراسته، وحبب إليه التثقف للسير بمقتضاة، بمختلف الوسائل الميسورة، لقوم خبروا الأولاد، وعجموا عودتهم، وبرعوا في استكناه كوامن نفوسهم، وإرشادهم إلى افضل السبل المؤدية بهم إلى المثل العليا، روحية كانت أم جسدية. فإذا لم تسعدهم الأيام في بلوغ مدرستهم أسمى درجات الرقي العلمي فليس ذلك ذنبهم. ولقد عوضت عن ذلك بما كان ويكون لتربيتهم الروحية أي تربية الأخلاق من الأثر العميق، في نفوس رجال الغد، وما ينجم من تحلي الطلاب بسمو الآداب من الخير العميم على المجتمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>