للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العسكرية والمطامع الاستعمارية المتشابكة بين الدول والتي كانت من شأنها أن لا تسمح لدولة بان تتنازل عن مطامعها في جهة ما خوفا من حلول غيرها محلها. وكان ذلك السابق بين الدول على تأييد نفوذها طوعا أم كرها يحول دون إنصاف الضعيف والاعتراف بالحقوق التي نادى بها القوي. ولم يكن لمساعي ومساعي من ذكرت من المناصرين سوى نتيجة واحدة كنت اعلق عليها آمالي بالفوز المبين هي إرسال بعثة للتحقيق عن مطالب أهالي البلدان العربية.

عدت إلى سوريا وجاءت اللجنة يوم كان معظم رجال العراق الذين أكثرهم حاضرا هنا، وبعضهم غير حاضر وكان جلهم إذ ذاك في مناصب الدولة في الجيش وفي الإدارة وهم شهود على ما أقول وفحصت اللجنة مطالب السوريين وفحصت مطالب الذوات العراقيين وتعذرونني إذ امتنعت عن ذكر المطالب التي عرضت باسم العراق وقتئذ واشكر الله على بقاء أولئك الذوات أحياء يشهدون ما وصل إليه العراق من تقدم منذ ذلك التاريخ إلى الآن. كان ذلك قبل الثورة العراقية. ثم كانت الثورة وبذلت الأرواح الطاهرة والدماء الزكية وقدمت إذ ذاك مطالب أوسع من تلك التي قدمت إلى لجنة التحقيق إلا أن انتهاء الثورة اجبر بعض رجال الثورة وزعماء العراق على أن يتنازلوا عن مطالبهم ويكتموا بما يتعذر علي ذكره من حقوق.

ثم جئت هذه البلاد التي كانت من ضمن منهاج أعمال الثورة العربية الكبرى مصحوباً باختبارات شتى. ذكرت لكم بعضها وكنت رغم تلك الاختبارات لا أزال تحت تأثير المبادئ السامية التي من اجلها خضنا غمار الحرب وتحت تأثير صور الدماء التي أريقت في ساحة الجهاد القومي بل تحت تأثير ضميري الشخصي وتقاليد آبائي وأجدادي وشرفهم. نعم تحت تلك العوامل كلها أتيت إلى هذا الوطن المحبوب لأعمل والشعب العراقي على نيل ما كانت روح الأمة تطمح إليه إذ أن اختباراتي الشخصية دلتني على أنه إذا كان هناك أمة تريد الحياة فلا شيء يحول دونها وعلمتني وجوب انتهاز الفرص أما الظروف الراهنة المحيطة بوضع أمة من الأمم ومطمحها فيجب مداراتها ومصانعتها إلى أن تتبدل تلك الظروف شيئاً فشيئاً وتنقشع السحب وتنجي الحياة المطلوبة.

دخلت البلاد ووجدت القوم على آمال وأمان تقصر عن تحقيقها ظروفهم واستعداداتهم

وقواهم القصوى وكنت ومازلت اذكر بوضوح كلي ما جرى لنا في سورية يوم أراد أخوان السوريون رغم نصائحي أن نسوق وضعنا إلى أكثر ما كانت به ظروفنا أو بعبارة ثانية عدم تناسب أمانينا مع ما لدينا من قوة لتحقيقها فاعتمدت على العمل في هذه البلاد على مبدأ الصبر واغتنام الفرص وها أني أهنئ نفسي ألان بان أمتي هذه التي سارت معي بالصبر والتؤدة كان سيرها أسرع بكثير من السير السريع الذي سارت به سوريا في ابتداء حياتها القومية ويجدر بي أن أبشركم أن الاختيار الذي حصل لي في سوريا أفاد هذه الأمة فائدة كبرى كما أن الاختبار الذي في هذا البلد بمعاضدتكم وطول أناتكم خدم القضية السورية خدمة كبرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>