للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على مشروعه واخبرهم بجلية الأمر، وعزمه الذي أحيا الليالي الطوال لأجله، عاهدوه على استعمال لغته الجديدة فيما بينهم، ونشرها في الخارج إذا رأوا لذلك سبيلاً. واستمروا مدة يسيرة يتخاطبون بها إلى أن انهوا دروسهم الطبية، ثم تفرقوا في طول البلاد وعرضها لطلب الرزق أو للآخذ بمهنتهم، وبعد ذلك رأى المؤلف أنه وحيد فريد لا ناصر له ولا معين كما كان في أول الأمر، ثم رأى بنفسه أن في لغته بعضاً من الشوائب وشيئاً من الخلل وهي لا تفي كل الوفاء بالغرض الذي كان يتوخاه، فعزم من جديد على تنقيحها، وقد أصبحت بعدئذٍ اللغة المعروفة الآن بالاسبرانتو.

أن المخترع لم يواصل سيره في مشروعه بعد خروجه من الكلية لأسباب منها تراكم الأشغال على عاتقه، وقصر الوقت الذي في يده لأنه كان يصرف جل أوقاته في الدرس والمطالعة لإتقان المهنة التي ألا على نفسه أن يتعاطاها لتحصيل قوته، وأود معيشته هذا ومشروع مثل هذا المشروع محفوف بعراقيل ومشاكل هذا عددها ليس بالأمر السهل إنجازه. ولما كانت همم الرجال تقلع الجبال ولا تعرف معنى للكلل والنصب بل تنتصر دائما على تذليل العقبات التي تحول دون بلوغ الأمنية، كما حدث مثل ذلك لغيره من مشاهير الرجال والنساء الذين يعدون بالمئات لا بل بالألوف. توفق هو أيضاً في مشروعه هذا فانقشعت غيوم العوائق المتلبدة في سمائه، وحصل على وقت مكنه من أن يستأنف مشروعه المهجور، ويعيد النظر في تحقيق الكلمات وتدوينها والتلفظ بها ويضع لها معاني ثابتة، ثم رسم القواعد، وضبط أصول اللغة كما يجب لئلا ينتقد عمله ويعاب بشيء. فلما أتم ذلك عرض لغته هذه على بعض أصحاب الذوق السليم والنقد الدقيق فاستحسنها اغلبهم. ثم صرف بعد ذلك سنتين كاملتين في البحث والتنقيب عن ناشر لها بين الناس ليعم استعمالها، فلما عيل صبره ولم يعد في وسعه التربص عن بث لسانه الجديد اخذ مسألة الطبع والنشر على عاتقه وطبع كراسة على نفقته في عام ١٨٨٧.

يدعي الدكتور زمنهوف أن من يدرس أصول لغته الاسبرانتية درساً صادقا يحيط بها في ساعة من الزمان، بيد أن ذلك إذا كان ممكنا لبعضهم فهو ليس

<<  <  ج: ص:  >  >>