للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وارتباط بعضها ببعض ارتباطاً محكم العرى، مجدول القوى. انظر إلى هذه النباتات على أنواعها، ترها قد خلقت صالحة للبيئة التي تحيا وتموت فيها صلاحاً ليس وراءه شيء. وإذا أمعنت في النظر، فجاوزت فيه تخوم النبات، فبلغت مملكة الحيوانات، ترى هناك من الوئام والوفاق بين الحي وبين الوسط الذي ينشأ ويعيش ويقضي أيامه فيه، ما لم يمكنك إلا أن تقضي منه العجب العجاب.

أن الطبيعة تحن على كائناتها ولا حنو الأمهات على أولادهن، فأنها قد هيأت لها جميع الوسائط، وذرعتها بكل الوسائل، لتعيش وتدافع عن كيانها مدافعة امهر القواد في ساحة الوغى، ولولا غريزة التنكر والدهاء، التي خصتها الطبيعة بالحيوانات، لما قدرت أن تهرب من الأخطار العديدة التي تتهددها في كل آونة، وتفلت من قبضة أعدائها القاعدين لها بالمرصاد. فبهذه الغريزة نتمكن من تغيير الوانها، وتبديل أزيائها تغييراً يجعلها تختلط بوسطها اختلاط الماء بالخمر، حتى لا تكاد تتميز عما يحيط بها، وقد تأخذ بعضها صورة نبات أو جماد احسن اخذٍ حتى تقلدها أبدع تقليد أو تتشبه بحيوانٍ فتظنه هو بعينه، ومع ذلك ليس هناك من رابطة قرابة.

١ - ألوان الحيوانات

أن ألوان الحيوانات تتضارب بتضارب مناخ موطنها؛ واختلاف إقليم بيئاتها فهي توجد في الفلوات الواسعة الرملية، والسهول التي يكسوها الجليد، والإحراج الظليلة، والجبال، والمروج، والمستنقعات، والأنهر. فتتعدد ألوانها بتعدد مواطنها، وتتردى برداء يناسب محيطها.

فالحيوانات التي مسكنها فلوات أفريقيا الواسعة الأطراف، الممتدة الأكتاف، تمتاز بوحدة لونها الآدم؛ ويخال الناظر إليها أن الشمس قد لوحتها، كما تصهر حرارتها رمل صحرائها التي تتوغل فيها هذه الحيوانات مثل الأسد والجمل والغزال.

فلنقف هنا قليلاً ونسأل: هل يمكن أن يرجع هذا الأمر إلى العرض والاتفاق؟ لا لعمري، فأنه محتوم، بل لا مندوحة عنه، تتطلبه مصلحة تنازع البقاء. فلنفرض أسداً أخضر اللون، أو سماويه، أو مرقطاً كالحية، أم

<<  <  ج: ص:  >  >>